الفصل السادس إحسانا إليهم في أخراهم وله أمثلة : منها تقديم الصلوات المفروضات عند ضيق الأوقات على الرفاهية والشراب والطعام وسائر التصرفات ، وليس تقديم إنقاذ الغرقى وتخليص الهلكى على الصلوات من هذا الباب وإنما هو من باب تقديم حق الله وحق العباد على الصلوات ، ومنها تحمل المشقات في العبادات فإنها مقدمة على قضاء الأوطار والراحات ، ومنها تقديم الزكاة على الحاجات ، [ ص: 174 ] ومنها بذل النفوس والأموال في قتال الكفار مع تعريض النفوس والأعضاء للفوات ، ومنها تقديم سراية العتق على صرف الأموال في قضاء الأوطار ودفع الحاجات ، وهذا على الحقيقة حق لله وحق للعبد ، لكن غلب فيه حق الله إذ لا يسقط بإسقاط العبد ، ولا يجوز له تأخيره تغليبا لحق الله عز وجل ، ومنها التغرير بالنفوس والأعضاء في قتال من يجب قتاله ، فمن يمتنع من أداء حق يجب أداؤه بالمحاربة كقتال البغاة ومانعي الزكاة ، ومنها تحريم الوطء في الصوم والحج والعمرة والاعتكاف ، ومنها تحريم وطء الحيض في جميع الأحوال إلا في حال إلجاء أو إكراه ، ومنها تحريم وطء المتحيرة في جميع الأوقات وتضعيف الصوم عليها حتى يبلغ شهرين فما زاد . فيما يتقدم من حقوق الرب على حقوق عباده
وكذلك الصلوات في جميع الأوقات ، وكذلك غسل العصائب عند أوقات الصلوات ، ومنها تحريم لباس المخيط وتحريم ستر رءوس الرجال ووجوه النساء في الإحرام ، وكذلك تحريم قلم الأظفار وإبانة الشعر والطيب والإدهان في الإحرام والتلذذ بالنساء ، وتحريم أكل الصيد والاصطياد ، ومنها تحريم النكاح والإنكاح في الإحرام ، ومنها تحريم الطعام والشراب والجماع على الصوام ، ومنها تزكية الشهود فإن الغالب عليها حق الله إذ لا تسقط بإسقاط المشهود عليه ، ومنها الأنساب فإنها حق لله ولعباده ولا تسقط بإسقاط مسقطيها ، ومنها تحليف المدعى عليه فإن الغالب عليه حق الله ، فلو رضي المدعي بأن يجعل القول قول المدعى عليه من غير نكول لم يسمع ذلك منه ، ومنها دفع الغرر عن البياعات فإنه اعتبر للحقين ، والغالب عليه حق الله بدليل أنه لا يسقط بإسقاط عصبات المزني بها لأن الشرع لو فوض استيفاءه إليهم لما استوفوه خوفا من العار والشنار ، بخلاف استيفاء القصاص وحد القذف فإنهما حقان لله ولعباده ، غلب عليهما حق العبد بالاستيفاء والإسقاط شفاء لغليل المقذوف والمجني عليه إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا ، ومن ذلك حد [ ص: 175 ] السرقة وجب صيانة للأموال ، ولم يفوض إلى المسروق منه لغلبة الرحمة على الملاك أن يقطعوا السارق بسرقة ربع دينار ونظائر هذا كثيرة .