فصل
وأما نهيه في حديث المرأة أن تنتقب، وأن تلبس القفازين، فهو دليل على أن ابن عمر وهذا أصح القولين. فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين وجهها ويديها، ومنعها من القفازين والنقاب، ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها، وأنهما كبدن المحرم يحرم سترهما بالمفصل على قدرهما وهما القفازان، فهكذا الوجه إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام، إلا النهي عن النقاب، وهو كالنهي عن القفازين، فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء. وهذا واضح بحمد الله. وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه، فيحرم عليها فيه ما وضع وفصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع، ولا يحرم عليها ستره [ ص: 353 ] بالمقنعة والجلباب ونحوهما،
وقد ثبت عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، وقالت عائشة: ذكره كانت الركبان يمرون بنا، ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا أبو داود.
واشتراط المجافاة عن الوجه كما ذكره القاضي وغيره ضعيف لا أصل له دليلا ولا مذهبا.
قال صاحب "المغني": "ولم أر هذا الشرط - يعني المجافاة - عن ولا هو في الخبر، مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبين، [ ص: 354 ] وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه، قال أحمد لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل، كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها. تم كلامه. أحمد:
فإن قيل: فما تصنعون بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فجعل وجه المرأة كرأس الرجل، وهذا يدل على وجوب كشفه ؟ إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها
قيل: هذا الحديث لا أصل له، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب المعتمد عليها، ولا يعرف له إسناد، فلا تقوم به حجة، ولا يترك له الحديث الصحيح الدال على أن وجهها كبدنها، وأنه يحرم عليها فيه ما أعد للعضو كالنقاب والبرقع ونحوه، لا مطلق الستر كاليدين. والله أعلم.