الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1823 [ ص: 355 ] 115 \ 1750 - وعن نافع ، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، زاد: ولا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفازين .

                                                              وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي .

                                                              هذا مستثنى من تضييع المال، وكل إتلاف وباب المصلحة فليس بتضييع وليس في أوامر الشريعة إلا الاتباع. وقال عطاء: لا يقطعهما فإن في قطعهما فسادا.... أن يكون لم يبلغه حديث ابن عمر. وقال الشافعي: أرى أن يقطعهما لأن ذلك في حديث ابن عمر وإن لم يكن في حديث ابن عباس، وكلاهما صادق حافظ، وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئا لم يروه الآخر إما غير رغبة وإما شك فيه فلم يؤده، وإما سكت عنه وإما أداه فلم يؤد عنه لبعض هذه المعاني إطلاقا.

                                                              والقفاز بالضم والتشديد شيء يلبسه نساء العرب في أيديهن يغطي الأصابع والكف والساعد من البرد، يحشى بقطن ويكون له أزرار تزر على الساعدين. وقيل: هو ضرب من الحلي... المرأة لديها.

                                                              وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا شيء على المرأة في لباسه، وعللوا حديث ابن عمر بأن ذكر القفازين إنما هو قول ابن عمر ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلق الشافعي القول في ذلك .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: تحريم لبس القفازين قول عبد الله بن عمر وعطاء [ ص: 356 ] وطاوس ومجاهد وإبراهيم النخعي ومالك والإمام أحمد والشافعي في أحد قوليه وإسحاق بن راهويه. وتذكر الرخصة عن علي وعائشة وسعد بن أبي وقاص، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي في القول الآخر.

                                                              ونهي المرأة عن لبسهما ثابت في الصحيح، كنهي الرجل عن لبس القميص والعمائم، وكلاهما في حديث واحد، عن راو واحد، وكنهيه المرأة عن النقاب، وهو في الحديث نفسه. وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع، وهي حجة على من خالفها وليس قول من خالفها حجة عليها.

                                                              وأما تعليل حديث ابن عمر في القفازين بأنه من قوله، فإنه تعليل باطل، وقد رواه أصحاب الصحيح والسنن والمسانيد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث نهيه عن لبس القمص والعمائم والسراويلات وانتقاب المرأة، ولبسها القفازين ، ولا ريب عند أحد من أئمة الحديث أن هذا كله حديث واحد من أصح الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعا إليه، ليس من كلام ابن عمر.

                                                              [ ص: 357 ] وموضع الشبهة في تعليله أن نافعا اختلف عليه فيه: فرواه الليث بن سعد عنه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر فيه ولا تلبس القفازين قال أبو داود: ورواه حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب، عن موسى بن عقبة، عن نافع على ما قال الليث . ورواه موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة موقوفا على ابن عمر. وكذلك رواه عبيد الله بن عمر، ومالك، وأيوب [عن نافع، عن ابن عمر] موقوفا، وكذلك هو في "الموطأ" عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين ، ولكن قد رفعه الليث بن سعد وموسى بن عقبة في الأكثر عنه، وإبراهيم بن سعيد أيضا رفعه عن نافع، ذكره أبو داود، ورواه محمد بن إسحاق عن نافع مرفوعا، كما تقدم.

                                                              فأما حديث الليث بن سعد فأخرجه البخاري في "صحيحه" والترمذي. وقال: حديث صحيح. ورواه النسائي في "سننه" . ولم يروا وقف من وقفه علة.

                                                              [ ص: 358 ] وأما حديث موسى بن عقبة فرواه النسائي في "سننه" عن سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عقبة فذكر الحديث وقال في آخره : ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين مرفوعا.

                                                              قال البخاري: "تابعه موسى بن عقبة، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وجويرية، وابن إسحاق في النقاب والقفازين" .وقال عبيد الله: [ولا ورس] وكان يقول: لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين . وقال مالك عن نافع عن ابن عمر: لا تنتقب [المحرمة] وتابعه ليث بن أبي سليم.

                                                              فالبخاري رحمه الله ذكر تعليله، ولم يرها علة مؤثرة، فأخرجه في "صحيحه" عن عبد الله بن يزيد، حدثنا الليث، حدثنا نافع، عن ابن عمر فذكره.




                                                              الخدمات العلمية