الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأتوا به متشابها قيل: متشابه المنظر، مختلف الطعم، عن مجاهد، والحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يشبه ثمر الدنيا في المنظر، وليس مثله، عن عكرمة وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : {متشابها} ؛ أي: خيارا لا رذل فيه; كقوله: كتابا متشابها [الزمر: 23].

                                                                                                                                                                                                                                      ولهم فيها أزواج مطهرة أي: مطهرة مما يلحق نساء الدنيا من الدم [ ص: 163 ] وغيره، ويقال للذكر والأنثى: زوج، وربما قيل للأنثى: زوجة، وكل شكلين زوجان، وكذلك كل اثنين لا يستغني أحدهما عن صاحبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وهم فيها خالدون (الخلود) : البقاء في الشيء أبدا.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها لا يوصف الله تعالى بالاستحياء على حد ما يوصف به المخلوقون، والمعنى: لا يخشى، كما جاء (يخشى) بمعنى (يستحي) ؛ كقوله: وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه [الأحزاب: 37]، قاله جماعة من المفسرين، واختاره الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الاستحياء مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: إنما يضرب الله به الأمثال للناس; لأن يستحيى منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا يدع الله أن يضرب الأمثال بهذه الأشياء، وهذا إنكار لقول من عاب ضرب الأمثال بالبعوض والذباب والعنكبوت، وغير ذلك مما [ ص: 164 ] ضرب الله به الأمثال.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى فما فوقها أي: فما فوقها في الصغر، عن أبي عبيدة والكسائي وغيرهما، وقيل: في الكبر، روي عن قتادة وابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا هذا استفهام معناه التعجب.

                                                                                                                                                                                                                                      يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا [قيل: هذا من قولهم، وقيل: من قول الله عز وجل].

                                                                                                                                                                                                                                      وما يضل به إلا الفاسقين هذا من قول الله عز وجل، وأصل (الفسق) : الخروج عن أمر الله تعالى، ويسمى به الكافر، والعاصي الملي.

                                                                                                                                                                                                                                      الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه قيل: هو ما أخذه الله على بني آدم حين أخرجهم من ظهره كالذر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 165 ] وقيل: ما أخذه على النبيين ومن اتبعهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبينه ولا يكتمه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو ما عهد إليهم في القرآن، فآمنوا به ثم كفروا، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الاستدلال على توحيد الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل يعني: الرحم، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: دين محمد صلى الله عليه وسلم ومن تقدمه من الأنبياء عليهم السلام، وما أخذه الله على الأنبياء وأتباعهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك هم الخاسرون أي: الذين خسروا أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ومنعوا منازلهم من الجنة، وأصل الخسران: النقصان.

                                                                                                                                                                                                                                      كيف تكفرون بالله كيف} : سؤال عن الحال، ومعناها ههنا: التعجب والتوبيخ، وهو مردود إلى العباد.

                                                                                                                                                                                                                                      وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم قال ابن مسعود، وابن عباس : لم تكونوا شيئا، فخلقكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة، [ ص: 166 ] والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل- في حكم حياة الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لم يعتد بها، كما لم يعتد بموت من أماته الله في الدنيا، ثم أحياه في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : كانوا أمواتا في الأصلاب، ثم أخرجهم منها، ثم أماتهم في الدنيا، ثم أحياهم بعد الموت للبعث.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كنتم أمواتا في ظهر آدم، ثم أخرجكم من ظهره كالذر، ثم يميتكم موت الدنيا، ثم يبعثكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كنتم أمواتا في القبور، فأحياكم لمسألة الملكين، ثم يميتكم، ثم يبعثكم، والمراد على هذا القول: من مضى، وإن كان الخطاب لمن حضر.

                                                                                                                                                                                                                                      و {تكفرون} بمعنى: كفرتم، و (قد) مضمرة مع {كنتم} ؛ لأنه حال مما قبله، فإن لم يحمل على ذلك; صار الخطاب لمن في القبور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وكنتم أموات الذكر، فأحيا ذكركم، ثم يميتكم فيموت [ ص: 167 ] ذكركم، ثم يحييكم للبعث.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا أي: خلقه لكم دليلا على وحدانيته وقدرته، وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن أصل الأشياء التي ينتفع بها الإباحة حتى يقوم الدليل على المنع.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم استوى إلى السماء قيل: معناه: أقبل عليها، وقيل: صعد أمره، وقيل: قصد إلى خلقها بالإرادة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجوز أن يحمل شيء مما جاء من ذلك على انتقال، ولا حركة، ولا زوال، وإنما يحمل ذلك على علو قدرته وأمره، وما يجوز أن يوصف به تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية