الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 141 ] يخادعون الله أي: يخادعونه عند أنفسهم، وعلى ظنهم، وقيل: قال ذلك; لعلمهم عمل المخادع، وقيل: المعنى: يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الحسن، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يخدعون إلا أنفسهم أي: عقوبة خداعهم راجعة عليهم، وأصل (الخديعة) في اللغة: الإخفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يشعرون [أي: ليس يشعرون] أن وبال ذلك راجع عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      في قلوبهم مرض أي: شك ونفاق.

                                                                                                                                                                                                                                      فزادهم الله مرضا أي: شكا ونفاقا جزاء على كفرهم، وقيل: زادهم مرضا بما أنزل من الآيات فكفروا بها.

                                                                                                                                                                                                                                      بما كانوا يكذبون أي: بتكذيبهم الرسل، ومعنى التخفيف: بكذبهم وقولهم: آمنا، وليسوا بمؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون قالوا ذلك; إظهارا للإصلاح وهم فيه كاذبون، وقيل: لأن إفسادهم عندهم إصلاح.

                                                                                                                                                                                                                                      ألا إنهم هم المفسدون [الفائدة في قوله: ألا إنهم هم المفسدون إعلام [ ص: 142 ] الناس أن المنافقين قالوا: إن محمدا مفسد، فرد الله تعالى عليهم قولهم بالألف واللام إشارة إلى قولهم].

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن لا يشعرون أي: لا يشعرون أن الله تعالى يطلع نبيه على إفسادهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس الناس} : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس، وعنه أيضا: مؤمنو أهل الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء أصل (السفه) : الخفة، فهو في الناس خفة الحلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا هذا كله في المنافقين.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا خلوا إلى شياطينهم يعني: رؤساءهم في الكفر، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      الكلبي: يعني: شياطين الجن، ودخول {إلى} ههنا على معنى: خلوا من المؤمنين إلى شياطينهم، وقيل: {إلى} بمعنى: (مع) .

                                                                                                                                                                                                                                      الله يستهزئ بهم أي: يجازيهم على استهزائهم، والعرب تستعمل ذلك كثيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو إظهاره لهم في الدنيا خلاف ما لهم في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو أخذه إياهم من حيث لا يعلمون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: يعيبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يعطي المؤمنين في القيامة نورا، فيتبعه المنافقون، فيحال بينهم وبينه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 143 ] وقيل: تفتح أبواب النار، فإذا هموا بالخروج منها أغلقت دونهم، روي معناه عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: تخمد النار، فيمشون عليها، فتخسف بهم، روي معناه عن الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      ويمدهم في طغيانهم يعمهون أي: يملي لهم، عن ابن عباس، وابن مسعود، و {طغيانهم} : غلوهم في كفرهم، ومعنى {يعمهون} : يتحيرون، مجاهد : يترددون في ضلالتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى العرب تستعمل ذلك كثيرا في كل من استبدل شيئا بشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      فما ربحت تجارتهم العرب تقول: (ربح تجره) على الاتساع، والمعنى: ربح في تجره.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كانوا مهتدين أي: في اشترائهم الضلالة بالهدى، وقيل: في علم الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      مثلهم كمثل الذي استوقد نارا قيل: معناه: أوقدها، وقيل: استوقدها من غيره، و {الذي} : اسم مبهم يقع للواحد والجميع، فلذلك شبه الجماعة به، وقيل: لأن القصد إلى تشبيه الفعل بالفعل، لا تشبيه العين بالعين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ] وهذا مثل ضربه الله تعالى للمنافق; لأنه أظهر الإسلام، فحقن به دمه، ومشى في حرمته وضيائه، ثم سلبه في الآخرة عند حاجته إليه، روي معناه عن الحسن، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية