الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 304 ] وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [البقرة: 104] الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض العلماء: هذه الآية ناسخة لقول كان مباحا، كان المسلمون يقولون: (راعنا) على جهة السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم أن يراعي أحوالهم، ويتفقد أمورهم، فنسخ الله ذلك؛ لأن اليهود كانت تقول ذلك على وجه الاستهزاء والسب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن معنى قول المسلمين إياها: أرعنا نرعك، فنهوا عن ذلك؛ لما في مخاطبة النبي عليه الصلاة والسلام به من الجفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره هذا وشبهه منسوخ بالقتال، قال ابن عباس : بقوله: [ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5].

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي، وقتادة : بقوله ]: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله [التوبة: 29] الآية التي في (التوبة).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله قيل: هي منسوخة، وقيل: هي محكمة، فمن قال: هي منسوخة: ابن زيد، وغيره، قال ابن زيد : كانوا أبيح لهم أن يصلوا إلى أي قبلة شاؤوا، فصلى النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون [ ص: 305 ] إلى بيت المقدس بضعة عشر شهرا، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتى هديناه، فكره ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، ورفع طرفه إلى السماء، فأنزل الله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره [البقرة: 144].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي محكمة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد، والضحاك : المعنى: أين ما كنتم من شرق أو غرب؛ فثم وجه الله الذي أمر باستقباله؛ وهو الكعبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن مجاهد أيضا، وابن جبير : لما نزلت: ادعوني أستجب لكم [غافر: 60]؛ قالوا: إلى أين؟ فنزل: فأينما تولوا فثم وجه الله ، فهي على هذا في الدعاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عمر، والنخعي : أينما تولوا في أسفاركم ومتصرفاتكم؛ فثم وجه الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عمر أيضا: أنه تأولها في الصلاة على الراحلة في السفر حيث ما توجهت براكبها، وقال: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على دابته، فنزلت الآية في ذلك).

                                                                                                                                                                                                                                      وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: ( كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة سوداء مظلمة، فجعل الرجل يأخذ الأحجار يعمل مسجدا [ ص: 306 ] يصلي فيه، فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فنزلت الآية ).

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصلاة على النجاشي؛ قالوا: إنه لا يصلي إلى القبلة، فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : نزلت حين حول النبي عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة، وقالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها [البقرة: 143].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي متصلة بقوله: ومن أظلم ممن منع مساجد الله [البقرة: 19] الآية، فالمعنى: أن بلاد الله - أيها المؤمنون- تسعكم، فلا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله أن تولوا وجوهكم نحو قبلة الله أينما كنتم من أرضه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت حين صد النبي عليه الصلاة والسلام عام الحديبية، فاغتم المسلمون لذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      فتلك عشرة أقوال.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى فثم وجه الله على هذا: فثم الله، وقيل: فثم تدركون رضا الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جعلها منسوخة؛ فلا اعتراض عليه من جهة كونها خبرا؛ لأنها محتملة لمعنى الأمر، ويحتمل أن يكون معنى فأينما تولوا فثم وجه الله : ولوا وجوهكم نحو وجه الله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية