وقال يحيى بن معاذ . الإخلاص يميز العمل من العيوب ، كتمييز اللبن من الفرث والدم
وقيل : كان رجل يخرج في زي النساء ويحضر كل موضع يجتمع فيه النساء من عرس أو مأتم فاتفق أن حضر يوما موضعا فيه مجمع للنساء ، فسرقت درة ، فصاحوا أن أغلقوا الباب حتى نفتش فكانوا يفتشون واحدة واحدة ، حتى بلغت النوبة إلى الرجل ، وإلى امرأة معه ، فدعا الله تعالى بالإخلاص وقال : إن نجوت من هذه الفضيحة لا أعود إلى مثل هذا فوجدت الدرة مع تلك المرأة فصاحوا أن ، أطلقوا الحرة فقد وجدنا الدرة وقال بعض الصوفية : كنت قائما مع أبي عبيد التستري وهو يحرث أرضه بعد العصر من يوم عرفة ، فمر به بعض إخوانه من الأبدال فساره بشيء فقال أبو عبيد : لا ، فمر كالسحاب يمسح الأرض حتى غاب عن عيني فقلت لأبي عبيد : ما قال لك ؟ فقال : سألني أن أحج معه قلت لا قلت : فهلا فعلت ؟! قال : ليس لي في الحج نية ، وقد نويت أن أتمم هذه الأرض العشية ، فأخاف إن حججت معه لأجله تعرضت لمقت الله تعالى ؛ لأني أدخل في عمل الله شيئا غيره ، فيكون ما أنا فيه أعظم عندي من سبعين حجة .
ويروى عن بعضهم قال : غزوت في البحر ، فعرض بعضنا مخلاة فقلت : أشتريها ، فأنتفع بها في غزوي ، فإذا دخلت مدينة كذا بعتها فربحت فيها ، فاشتريتها فرأيت تلك الليلة في النوم كأن شخصين قد نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه : اكتب الغزاة فأملى ، عليه : خرج فلان متنزها ، وفلان مرائيا ، وفلان تاجرا ، وفلان في سبيل الله ، ثم نظر إلي ، وقال : اكتب فلان خرج تاجرا ، فقلت الله : الله في أمري ما خرجت أتجر ، وما معي تجارة أتجر فيها ، ما خرجت إلا للغزو ، فقال يا شيخ ، قد اشتريت أمس مخلاة تريد أن تربح فيها ، فبكيت وقلت : لا تكتبوني تاجرا ، فنظر إلى صاحبه ، وقال : ما ترى ؟ فقال : اكتب خرج فلان غازيا ، إلا أنه اشترى في طريقه مخلاة ليربح فيها حتى يحكم الله عز وجل فيه بما يرى .
وقال سري السقطي رحمه الله تعالى لأن تصلي ركعتين في خلوة تخلصهما خير لك من أن تكتب سبعين حديثا ، أو سبعمائة بعلو وقال بعضهم : في إخلاص ساعة نجاة الأبد ، ولكن الإخلاص عزيز ويقال : العلم بذر ، والعمل زرع ، وماؤه الإخلاص وقال بعضهم : إذا أبغض الله عبدا أعطاه ثلاثا ومنعه ثلاثا ، أعطاه صحبة الصالحين ، ومنعه القبول منهم ، وأعطاه الأعمال الصالحة ومنعه الإخلاص فيها ، وأعطاه الحكمة ومنعه الصدق فيها وقال السوسي مراد الله من عمل الخلائق الإخلاص فقط وقال إن لله عبادا عقلوا فلما عقلوا عملوا فلما عملوا أخلصوا فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر أجمع وقال الجنيد محمد بن سعيد المروزي الأمر كله يرجع إلى أصلين : فعل منه بك ، وفعل منك له ، فترضى ما فعل وتخلص فيما تعمل فإذن أنت سعدت بهذين وفزت في الدارين .