الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم ينبغي أن يحاسب النفس على جميع العمر يوما يوما وساعة ساعة في جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة كما نقل عن توبة بن الصمة وكان بالرقة وكان محاسبا لنفسه فحسب يوما فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال يا ويلتي ألقى الملك بأحد وعشرين ألف ذنب فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت فسمعوا قائلا يقول يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى فهكذا ينبغي أن يحاسب نفسه على الأنفاس وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل ساعة ولو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي والملكان يحفظان عليه ذلك أحصاه الله ونسوه .

التالي السابق


(ثم ينبغي أن يحاسب النفس على جميع العمر يوما يوما وساعة ساعة في جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة كما نقل عن توبة بن الصمة ) العابد (وكان بالرقة ) بلد بالجزيرة (وكان محاسبا لنفسه فحسب يوما عمره فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم ) من ضرب أيام السنة في الستين (فصرخ وقال يا ويلتي ألقى الملك بأحد وعشرين ألف ذنب ) وخمسمائة ذنب (فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت ) وهذا قد غلبه الخوف فشق شغاف قلبه (فسمعوا قائلا يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى ) ، رواه البيهقي في الشعب عن رجل من قريش ولم يقل وكان بالرقة (فهكذا ينبغي أن يحاسب نفسه على الأنفاس ) صاعدة وهابطة (وعلى كل معصية بالقلب ) إذا هم بها (الجوارح في كل ساعة ولو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره لامتلأت داره ) بالحجارة (في مدة يسيرة قريبة من عمره ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي والملكان يحفظان عليه ذلك ) كما قال تعالى (أحصاه الله ونسوه ) ثم إن الحامل على هذه المحاسبة الإيمان بمحاسبة الله تعالى يوم القيامة على الجليل والحقير وهو [ ص: 115 ] واجب وهو من الإيمان لله فإن صفا قلبه حتى يحس بوقع الدين في قلبه آثرا المخالفة فهذا من الذين كاشفهم الله بسرعة حسابهم في الدنيا قبل حساب الآخرة فتابوا وأنابوا وأثنى عليهم بقوله والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم وقد نبهنا على ما في الذنب من العقاب العاجل والآجل بقوله وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون فنفس كتب السيئة هو عين العقوبة لأنها تنكت في القلب نكتة سوداء وتتزايد إلى أن يصير رينا وكذلك الحسنة هي نفس الثواب العاجل لأنها تنكت في القلب نكتة بيضاء وتتزايد إلى أن تصير كالمرآة الصقيلة فلذلك قال تعالى إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين ولكن لا يشعرون بما ران على قلوبهم من رين الذنوب وهذه المحاسبة توجب الاعتصام وهو المعنى الجامع لكل ما يخبر عنه العلماء من العلوم والأحوال والأعمال لأن حقيقته التمسك بكتاب الله والحفظ لحدود الله ولذلك نقول إن الصلاح المؤدي إلى معرفة الله وولائه بغير علم ممنوع وهو ثمرة المحاسبة لأن المحاسبة تلزم العبد الرعاية والحفظ للحدود والفرق بينه وبين الاستقامة أن الاعتصام هو الحفظ للحدود واجبها ومندوبها والاستقامة هي الثبات والاعتدال عن الميل إلى طرفي الأمر المعتصم به قال تعالى ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم فمن حاسب نفسه المحاسبة الوافية حتى اعتدلت أحواله وأعماله وأخلاقه فهو المستقيم على طاعة الله تعالى لأن حقيقة الاستقامة سلوك الطريق بغير اعوجاج وهي علامة صحة المحاسبة والاستقامة تراد لذاتها ولغيرها أما كونها مرادة لذاتها فإن الاعتدال تزكية للنفس وكمال لها وأما كونها مرادة لغيرها فهي وسيلة إلى الدخول في مقام الجمع من وادي التفرقة وهي مطمح أنظار الأولياء والمقربين .




الخدمات العلمية