وهو القائل لا يتحرك الإنسان إلا لحظ والبراءة من الحظوظ صفة الإلهية ومن ادعى ذلك فهو كافر .
وقد قضى القاضي أبو بكر الباقلاني بتكفير من يدعي البراءة من الحظوظ وقال : هذا من صفات الإلهية وما ذكره حق ، ولكن القوم إنما أرادوا به البراءة عما يسميه الناس حظوظا ، وهو الشهوات الموصوفة في الجنة فقط ، فأما التلذذ بمجرد المعرفة والمناجاة والنظر إلى وجه الله تعالى فهذا حظ هؤلاء وهذا لا يعده الناس حظا ، بل يتعجبون منه .
وهؤلاء لو عوضوا عما هم فيه من لذة الطاعة والمناجاة وملازمة السجود للحضرة الإلهية سرا وجهرا جميع نعيم الجنة لاستحقروه ولم يلتفتوا إليه ، فحركتهم لحظ ، وطاعتهم لحظ ، ولكن حظهم معبودهم فقط دون غيره .
وقال أبو عثمان الإخلاص نسيان روية الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط .
وهذا إشارة إلى آفة الرياء فقط ولذلك قال بعضهم : الإخلاص في العمل أن لا يطلع عليه شيطان فيفسده ، ولا ملك فيكتبه فإنه إشارة إلى مجرد الإخفاء .
وقد قيل : الإخلاص ما استتر عن الخلائق ،وصفا عن العلائق .
وهذا أجمع للمقاصد .
وقال المحاسبي . الإخلاص هو إخراج الخلق عن معاملة الرب
وهذا إشارة إلى مجرد نفي الرياء .
وكذلك قول الخواص من شرب من كأس الرياسة فقد خرج عن إخلاص العبودية .
وقال الحواريون لعيسى عليه السلام : ما الخالص من الأعمال فقال : الذي يعمل لله تعالى لا يحب أن يحمده عليه أحد .
وهذا أيضا تعرض لترك الرياء ، وإنما خصه بالذكر لأنه أقوى الأسباب المشوشة للإخلاص .
وقال الجنيد : الإخلاص تصفية العمل من الكدورات .
وقال الفضيل ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
وقيل : الإخلاص دوام المراقبة ، ونسيان الحظوظ كلها .
وهذا هو البيان الكامل والأقاويل في هذا كثيرة ولا فائدة في تكثير النقل بعد انكشاف الحقيقة .
وإنما البيان الشافي بيان سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن الإخلاص ، فقال : أن تقول : ربي الله ثم تستقيم كما أمرت أي : لا تعبد هواك ونفسك ، ولا تعبد إلا ربك ، وتستقيم في عبادته كما أمرت ، وهذا إشارة إلى قطع ما سوى الله عن مجرى النظر ، وهو الإخلاص حقا .