الصدق الرابع : في فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال إذ لا مشقة في الوعد والعزم، والمؤنة فيه خفيفة فإذا حقت الحقائق ، وحصل التمكن ، وهاجت الشهوات ، انحلت العزيمة ، وغلبت الشهوات ، ولم يتفق الوفاء بالعزم ، وهذا يضاد الصدق فيه ولذلك قال الله تعالى : الوفاء بالعزم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقد روي عن أن عمه أنس أنس بن النضر لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك على قلبه ، وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع ، قال : فشهد أحدا في العام القابل ، فاستقبله فقال : يا أبا عمرو إلى أين ؟ فقال : واها لريح الجنة ، إني أجد ريحها دون أحد . سعد بن معاذ
فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة ، فقالت أخته بنت النضر ما عرفت أخي إلا بثيابه فنزلت هذه الآية : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير وقد سقط على وجهه يوم أحد شهيدا ، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وقال فضالة بن عبيد سمعت رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الشهداء أربعة " رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة ، هكذا ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته ، قال الراوي فلا أدري قلنسوة عمر أو قلنسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورجل جيد الإيمان إذا لقي العدو فكأنما يضرب وجهه بشوك الطلح أتاه سهم عاثر فقتله فهو في الدرجة الثانية ، ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو ، فصدق الله حتى قتل فذاك ، في الدرجة الثالثة ، ورجل أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك ، في الدرجة الرابعة وقال عمر بن الخطاب رجلان خرجا على ملأ من الناس قعود ، فقالا : إن رزقنا الله تعالى مالا لنتصدقن فبخلوا به ، فنزلت مجاهد ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين وقال بعضهم : إنما هو شيء نووه في أنفسهم لم يتكلموا به فقال ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون فجعل العزم عهدا وجعل الخلف فيه كذبا والوفاء به صدقا .
وهذا الصدق أشد من الصدق الثالث فإن الناس قد تسخو بالعزم ثم تكيع عند الوفاء لشدته عليها ولهيجان الشهوة عند التمكن وحصول الأسباب .
ولذلك استثنى رضي الله عنه فقال : لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم عمر اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند القتل شيئا لا أجده الآن لأني لا آمن أن يثقل عليها ذلك فتتغير عن عزمها . أبو بكر
وأشار بذلك إلى شدة الوفاء بالعزم .
وقال الخراز رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء ، فقالا لي : ما الصدق ؟ قلت : الوفاء بالعهد ، فقالا لي : صدقت ، وعرجا إلى السماء . أبو سعيد