المرابطة الخامسة
وهو أنه إذا حاسب نفسه فرآها قد قارفت معصية فينبغي أن يعاقبها بالعقوبات التي مضت وإن رآها تتوانى بحكم الكسل في شيء من الفضائل أو ورد من الأوراد فينبغي أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها ويلزمها فنونا من الوظائف جبرا لما فات منه وتداركا لما فرط فهكذا كان يعمل عمال الله تعالى فقد عاقب المجاهدة . نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قيمتها مائتا ألف درهم وكان عمر بن الخطاب إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة وأخر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين . ابن عمر
وفات ابن أبي ربيعة ركعتا الفجر فأعتق رقبة .
وكان بعضهم يجعل على نفسه صوم سنة أو الحج ماشيا أو التصدق بجميع ماله .
كل ذلك مرابطة للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها .
فإن قلت: إن كانت نفسي لا تطاوعني على المجاهدة والمواظبة على الأوراد فما سبيل معالجتها فأقول سبيلك في ذلك أن تسمعها ما ورد في الأخبار من فضل المجتهدين ومن أنفع أسباب العلاج أن تطلب صحبة عبد من عباد الله مجتهد في العبادة فتلاحظ أقواله وتقتدي به وكان بعضهم يقول كنت إذا اعترتني فترة في العبادة نظرت إلى أحوال محمد بن واسع وإلى اجتهاده فعملت على ذلك أسبوعا إلا أن هذا العلاج قد تعذر إذ قد فقد في هذا الزمان من يجتهد في العبادة اجتهاد الأولين فينبغي أن يعدل من المشاهدة إلى السماع فلا شيء أنفع من سماع أحوالهم ومطالعة أخبارهم وما كانوا فيه من الجهد الجهيد وقد انقضى تعبهم وبقي ثوابهم ونعيمهم أبد الآباد لا ينقطع فما أعظم ملكهم وما أشد حسرة من لا يقتدي بهم فيمتع نفسه أياما قلائل بشهوات مكدرة ثم يأتيه الموت ويحال بينه وبين كل ما يشتهيه أبد الآباد نعوذ بالله تعالى من ذلك .