وقال الجنيد . ما رأيت أعبد من السري أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رئي مضطجعا إلا في علة الموت
وقال الحارث بن سعد مر قوم براهب فرأوا ما يصنع بنفسه من شدة اجتهاده فكلموه في ذلك فقال وما هذا عند ما يراد بالخلق من ملاقاة الأهوال وهم غافلون قد اعتكفوا على حظوظ أنفسهم ونسوا حظهم الأكبر من ربهم فبكى القوم عن آخرهم .
وعن أبي محمد المغازلي قال جاور أبو محمد الجريري بمكة سنة فلم ينم ولم يتكلم ولم يستند إلى عمود ولا إلى حائط ولم يمد رجليه فعبر عليه أبو بكر الكتاني فسلم عليه وقال له يا أبا محمد بم قدرت على اعتكافك هذا فقال علم صدق باطني فأعانني على ظاهري فأطرق الكتاني ومشى مفكرا وعن بعضهم قال دخلت على فتح الموصلي فرأيته قد مد كفيه يبكي حتى رأيت الدموع تنحدر من بين أصابعه فدنوت منه فإذا دموعه قد خالطها صفرة فقلت ولم بالله يا فتح بكيت الدم فقال لولا أنك أحلفتني بالله ما أخبرتك نعم بكيت دما فقلت له على ماذا بكيت الدموع فقال على تخلفي عن واجب حق الله تعالى وبكيت الدم على الدموع لئلا يكون ما صحت لي الدموع قال فرأيته بعد موته في المنام فقلت ما صنع الله بك قال غفر لي فقلت له فماذا صنع في دموعك فقال قربني ربي عز وجل وقال لي يا فتح الدمع على ماذا قلت يا رب على تخلفي عن واجب حقك فقال والدم على ماذا فقلت على دموعي أن لا تصح لي فقال لي يا فتح ما أردت بهذا كله وعزتي وجلالي لقد صعد حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة .
وقيل إن قوما أرادوا سفرا فحادوا عن الطريق فانتهوا إلى راهب منفرد عن الناس فنادوه فأشرف عليهم من صومعته فقالوا يا راهب إنا قد أخطأنا الطريق فكيف الطريق فأومأ برأسه إلى السماء فعلم القوم ما أراد فقالوا يا راهب إنا سائلوك فهل أنت مجيبنا فقال سلوا ولا تكثروا فإن النهار لن يرجع والعمر لا يعود والطالب حثيث فعجب القوم من كلامه فقالوا يا راهب علام الخلق غدا عند مليكهم فقال على نياتهم فقالوا أوصنا فقال تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما بلغ البغية .
ثم أرشدهم إلى الطريق وأدخل رأسه في صومعته .
وقال مررت بصومعة راهب من رهبان الصين فناديته يا راهب فلم يجبني فناديته الثانية فلم يجبني فناديته الثالثة فأشرف علي وقال يا هذا ما أنا براهب إنما الراهب من رهب الله في سمائه وعظمه في كبريائه وصبر على بلائه ورضى بقضائه وحمده على آلائه وشكره على نعمائه وتواضع لعظمته وذل لعزته واستسلم لقدرته وخضع لمهابته وفكر في حسابه وعقابه فنهاره صائم وليله قائم قد أسهره ذكر النار ومسألة الجبار فذلك هو الراهب وأما أنا فكلب عقور حسبت نفسي في هذه الصومعة عن الناس لئلا أعقرهم فقلت يا راهب فما الذي قطع الخلق عن الله تعالى بعد أن عرفوه فقال يا أخي لم يقطع الخلق عن الله تعالى إلا حب الدنيا وزينتها لأنها محل المعاصي والذنوب والعاقل من رمى بها عن قلبه وتاب إلى الله تعالى من ذنبه وأقبل على ما يقربه من ربه . عبد الواحد بن زيد
وقيل لو سرحت لحيتك فقال إني إذن لفارغ . لداود الطائي
وكان أويس القرني يقول هذه ليلة الركوع فيحيي الليل كله في ركعة وإذا كانت الليلة الآتية قال هذه ليلة السجود فيحيي الليل كله في سجدة .
وقيل لما تاب عتبة الغلام كان لا يتهنأ بالطعام والشراب فقالت له أمه لو رفقت بنفسك قال الرفق أطلب دعيني أتعب قليلا وأتنعم طويلا وحج مسروق فما نام قط إلا ساجدا .