وعن أبي بكر المطوعي قال كان وردي في شبيبتي كل يوم وليلة أقرأ فيه قل هو الله أحد إحدى وثلاثين ألف مرة أو أربعين ألف مرة شك الراوي وكان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت رجل أصيب بمصيبة منكسر الطرف منخفض الصوت رطب العينين إن حركته جاءت عيناه بأربع ولقد قالت له أمه ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكي الليل عامته لا تسكت لعلك يا بني أصبت نفسا لعلك قتلت قتيلا فيقول يا أمه أنا أعلم بما صنعت بنفسي وقيل لعامر بن عبد الله كيف صبرك على سهر الليل وظمأ الهواجر فقال هل هو إلا أني صرفت طعام النهار إلى الليل ونوم الليل إلى النهار وليس في ذلك خطير أمر وكان يقول ما رأيت مثل الجنة نام طالبها ولا مثل النار نام هاربها وكان إذا جاء الليل قال أذهب حر النار النوم فما ينام حتى يصبح فإذا جاء النهار قال أذهب حر النار النوم فما ينام حتى يمسي فإذا جاء الليل قال من خاف أدلج وعند الصباح يحمد القوم السرى .
وقال بعضهم صحبت عامر بن عبد القيس أربعة أشهر فما رأيته نام بليل ولا نهار .
ويروى عن رجل من أصحاب رضي الله تعالى عنه أنه قال صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه وعليه كآبة فمكث حتى طلعت الشمس ثم قلب يده وقال والله لقد رأيت أصحاب علي محمد صلى الله عليه وسلم وما أرى اليوم شيئا يشبههم كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم وكأن القوم باتوا غافلين يعني من كان حوله وكان أبو مسلم الخولاني قد علق سوطا في مسجد بيته يخوف به نفسه وكان يقول لنفسه قومي فوالله لأزحفن بك زحفا حتى يكون الكلل منك لا مني فإذا دخلت الفترة تناول سوطه وضرب به ساقه ويقول أنت أولى بالضرب من دابتي وكان يقول أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا كلا والله لنزاحمهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالا .
وكان قد تعقدت ساقاه من طول القيام وبلغ من الاجتهاد ما لو قيل له القيامة غدا ما وجد متزايدا . صفوان بن سليم
وكان إذا جاء الشتاء اضطجع على السطح ليضربه البرد وإذا كان في الصيف اضطجع داخل البيوت ليجد الحر فلا ينام وإنه مات وهو ساجد وإنه كان يقول اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي .
وقال القاسم بن محمد غدوت يوما وكنت إذا غدوت بدأت رضي الله عنها أسلم عليها فغدوت يوما إليها فإذا هي تصلي صلاة الضحى وهي تقرأ بعائشة فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم وتبكي وتدعو وتردد الآية فقمت حتى مللت وهي كما هي فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فقلت أفرغ من حاجتي ثم أرجع ففرغت من حاجتي ثم رجعت وهي كما هي تردد الآية وتبكي وتدعو .
وقال محمد بن إسحاق لما ورد علينا عبد الرحمن بن الأسود حاجا اعتلت إحدى قدميه فقام يصلي على قدم واحدة حتى صلى الصبح بوضوء العشاء .
وقال بعضهم . ما أخاف من الموت إلا من حيث يحول بيني وبين قيام الليل
وقال كرم الله وجهه سيما الصالحين صفرة الألوان من السهر وعمش العيون من البكاء وذبول الشفاه من الصوم عليهم غبرة الخاشعين وقيل للحسن علي بن أبي طالب فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره وكان عامر بن عبد القيس يقول إلهي خلقتني ولم تؤامرني وتميتني ولا تعلمني وخلقت معي عدوا وجعلته يجري مني مجرى الدم وجعلته يراني ولا أراه ثم قلت لي استمسك إلهي كيف أستمسك إن لم تمسكني إلهي في الدنيا الهموم والأحزان وفي الآخرة العقاب والحساب فأين الراحة والفرح وقال جعفر بن محمد كان عتبة الغلام يقطع الليل بثلاث صيحات كان إذا صلى العتمة وضع رأسه بين ركبتيه يتفكر فإذا مضى ثلث الليل صاح صيحة ثم وضع رأسه بين ركبتيه يتفكر فإذا مضى الثلث الثاني صاح صيحة ثم وضع رأسه بين ركبتيه يتفكر فإذا كان السحر صاح صيحة قال ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها جعفر بن محمد فحدثت به بعض البصريين فقال لا تنظر إلى صياحه ولكن انظر إلى ما كان فيه بين الصيحتين حتى صاح وعن القاسم بن راشد الشيباني قال كان زمعة نازلا عندنا بالمحصب وكان له أهل وبنات وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته أيها الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون أفلا تقومون فترحلون فيتواثبون فيسمع من ههنا باك ومن ههنا داع من ههنا قارئ ومن ههنا متوضئ فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى .
وقال بعض الحكماء إن لله عبادا أنعم عليهم فعرفوه وشرح صدورهم فأطاعوه وتوكلوا عليه فسلموا الخلق والأمر إليه فصارت قلوبهم معادن لصفاء اليقين وبيوتا للحكمة وتوابيت للعظمة وخزائن للقدرة فهم بين الخلق مقبلون ومدبرون وقلوبهم تجول في الملكوت وتلوذ بمحجوب الغيوم ثم ترجع ومعها طوائف من لطائف الفوائد وما لا يمكن واصفا أن يصفه فهم في باطن أمورهم كالديباج حسنا وهم الظاهر مناديل مبذولون لمن أرادهم تواضعا .
وهذه طريقة لا يبلغ إليها بالتكلف وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء .
وقال بعض الصالحين بينما أنا أسير في بعض جبال بيت المقدس إذ هبطت إلى واد هناك فإذا أنا بصوت قد علا وإذا تلك الجبال تجيبه لها دوي عال فاتبعت الصوت فإذا أنا بروضة عليها شجر ملتف وإذا أنا برجل قائم فيها يردد هذه الآية يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا إلى قوله ويحذركم الله نفسه قال فجلست خلفه أسمع كلامه وهو يردد هذه الآية إذ صاح صيحة خر مغشيا عليه فقلت وا أسفاه هذا لشقائي .
ثم انتظرت إفاقته فأفاق بعد ساعة فسمعته وهو يقول أعوذ بك من مقام الكذابين أعوذ بك من أعمال البطالين أعوذ بك من إعراض الغافلين .
ثم قال لك خشعت قلوب الخائفين وإليك فزعت آمال المقصرين ولعظمتك ذلت قلوب العارفين ثم نفض يده فقال ما لي وللدنيا وما للدنيا وما لي عليك يا دنيا بأبناء جنسك وألاف نعيمك إلى محبيك فاذهبي وإياهم فاخدعي ثم قال أين القرون الماضية وأهل الدهور السالفة في التراب يبلون وعلى الزمان يفنون فناديته يا عبد الله أنا منذ اليوم خلفك أنتظر فراغك فقال وكيف يفرغ من يبادر الأوقات وتبادره يخاف سبقها بالموت إلى نفسه أم كيف يفرغ من ذهبت أيامه وبقيت آثامه ثم قال أنت لها ولكل شدة أتوقع نزولها ثم لها عني ساعة وقرأ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ثم صاح صيحة أخرى أشد من الأولى وخر مغشيا عليه فقلت قد خرجت روحه فدنوت منه فإذا هو يضطرب ثم أفاق وهو يقول من أنا ما خطري هب لي إساءتي من فضلك وجللني بسترك واعف عن ذنوبي بكرم وجهك إذا وقفت بين يديك فقلت له بالذي ترجوه لنفسك وتثق به إلا كلمتني فقال عليك بكلام من ينفعك كلامه ودع كلام من أوبقته ذنوبه إني لفي هذا الموضع مذ شاء الله أجاهد إبليس ويجاهدني فلم يجد عونا علي ليخرجني مما أنا فيه غيرك فإليك عني يا مخدوع فقد عطلت علي لساني وميلت إلى حديثك شعبة من قلبي وأنا أعوذ بالله من شرك ثم أرجو أن يعيذني من سخطه ويتفضل علي برحمته قال فقلت هذا ولي الله أخاف أن أشغله فأعاقب في موضعي هذا فانصرفت وتركته .
وقال بعض الصالحين بينما أنا أسير في مسير لي إذ ملت إلى شجرة لأستريح تحتها فإذا أنا بشيخ قد أشرف علي فقال لي يا هذا قم فإن الموت لم يمت ثم هام على وجهه فاتبعته فسمعته وهو يقول كل نفس ذائقة الموت اللهم بارك لي في الموت فقلت وفيما بعد الموت فقال من أيقن بما بعد الموت شمر مئزر الحذر ولم يكن له في الدنيا مستقر ثم قال يا من لوجهه عنت الوجوه بيض وجهي بالنظر إليك واملأ قلبي من المحبة لك وأجرني من ذلك التوبيخ غدا عندك فقد آن لي الحياء منك وحان لي الرجوع عن الإعراض عنك قم قال لولا حلمك لم يسعني أجلي ولولا عفوك لم ينبسط فيما عندك أملي ثم مضى وتركني .
وقد أنشدوا في هذا المعنى .
نحيل الجسم مكتئب الفؤاد تراه بقمة أو بطن وادي ينوح على معاص فاضحات
يكدر ثقلها صفو الرقاد فإن هاجت مخاوفه وزادت
فدعوته أغثني يا عمادي فأنت بما ألاقيه عليم
كثير الصفح عن زلل العباد
ألذ من التلذذ بالغواني إذا أقبلن في حلل حسان
منيب فر من أهل ومال يسيح إلى مكان من مكان
ليخمل ذكره ويعيش فردا ويظهر في العبادة بالأماني
تلذذه التلاوة أين ولى وذكر بالفؤاد وباللسان
وعند الموت يأتيه بشير يبشر بالنجاة من الهوان
فيدرك ما أراد وما تمنى من الراحات في غرف الجنان
سبعة آلاف سنة وتخلصت من يوم واحد كان مقداره خمسين ألف سنة لكان ربحك كثيرا وكنت بالرغبة فيه جديرا فكيف وعمرك قصير والآخرة لا غاية لها .