وقد ورد القرآن بالحث على إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب وكما قال تعالى : ومن آياته من أول القرآن إلى آخره ، فلنذكر التفكر في هذه الآيات كما قال الله تعالى : . كيفية الفكر في بعض الآيات
فمن آياته وأقرب شيء إليك نفسك وفيك من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشيره ، وأنت غافل عنه . الإنسان المخلوق من النطفة ،
فيا من ، هو غافل عن نفسه وجاهل بها كيف تطمع في معرفة غيرك وقد أمرك الله تعالى بالتدبر في نفسك في كتابه العزيز فقال : وفي أنفسكم أفلا تبصرون وذكر أنك مخلوق من نطفة قذرة فقال : قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره وقال تعالى : ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون .
وقال تعالى : ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى وقال تعالى : ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم وقال أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وقال إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ثم ذكر كيف جعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة عظاما ، فقال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية .
فتكرير ذكر النطفة في الكتاب العزيز ليس ليسمع لفظه ويترك التفكر في معناه ، فانظر الآن إلى النطفة وهي قطرة من الماء قذرة لو تركت ساعة ليضربها الهواء فسدت وأنتنت ، كيف أخرجها رب الأرباب من الصلب والترائب وكيف جمع بين الذكر والأنثى ، وألقى الألفة والمحبة في قلوبهم وكيف قادهم بسلسلة المحبة والشهوة إلى الاجتماع ، وكيف استخرج النطفة من الرجل بحركة الوقاع وكيف استجلب دم الحيض من أعماق العروق وجمعه في الرحم .
ثم كيف خلق المولود من النطفة وسقاه بماء الحيض وغذاه حتى نما وربا وكبر وكيف جعل النطفة وهي بيضاء مشرقة علقة حمراء ، ثم كيف جعلها مضغة ثم كيف قسم أجزاء النطفة وهي متساوية متشابهة إلى العظام والأعصاب والعروق والأوتار واللحم ، ثم كيف ركب من اللحوم والأعصاب والعروق الأعضاء الظاهرة فدور الرأس وشق السمع والبصر والأنف والفم وسائر المنافذ ، ثم مد اليد والرجل وقسم رؤوسها بالأصابع وقسم الأصابع بالأنامل ، ثم كيف ركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والأمعاء كل واحد على شكل مخصوص ومقدار مخصوص لعمل مخصوص ثم كيف قسم كل عضو من هذه الأعضاء بأقسام أخر فركب العين من سبع طبقات لكل طبقة وصف مخصوص وهيئة مخصوصة لو فقدت طبقة منها أو زالت صفة من صفاتها تعطلت العين عن الإبصار فلو ذهبنا إلى أن نصف ما في آحاد هذه الأعضاء من العجائب والآيات لانقضى فيه الأعمار .
فانظر الآن إلى العظام وهي أجسام صلبة قوية كيف خلقها من نطفة سخيفة رقيقة ، ثم جعلها قواما للبدن وعمادا له ثم قدرها بمقادير مختلفة وأشكال مختلفة ، فمنه صغير وكبير وطويل ومستدير ومجوف ومصمت وعريض ودقيق .