الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهذا الباب أيضا لا حصر له ، فإن الحيوانات ، وأشكالها ، وأخلاقها ، وطباعها ، غير محصورة ، وإنما سقط تعجب القلوب منها لأنسها بكثرة المشاهدة ، نعم إذا رأى حيوانا غريبا ولو دودا تجدد تعجبه ، وقال : سبحان الله ما أعجبه ! والإنسان أعجب الحيوانات وليس يتعجب من نفسه بل لو نظر إلى الأنعام التي ألفها ، ونظر إلى أشكالها وصورها ، ثم إلى منافعها وفوائدها من جلودها ، وأصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها ، التي جعلها الله لباسا لخلقه وأكنانا ، لهم في ظعنهم وإقامتهم ، وآنية لأشربتهم ، وأوعية لأغذيتهم ، وصوانا لأقدامهم ، وجعل ألبانها ولحومها أغذية لهم ، ثم جعل بعضها زينة للركوب ، وبعضها حاملة للأثقال ، قاطعة للبوادي والمفازات البعيدة لأكثر الناظر التعجب من حكمة خالقها ومصورها ، فإنه ما خلقها إلا بعلم محيط بجميع منافعها سابق على خلقه إياها . فسبحان من الأمور مكشوفة في علمه من غير تفكر ، ومن غير تأمل وتدبر ومن غير استعانة بوزير أو مشير فهو العليم الخبير القدير فلقد استخرج بأقل القليل مما خلقه صدق الشهادة من قلوب العارفين بتوحيده ، فما للخلق إلا الإذعان لقهره وقدرته ، والاعتراف بربوبيته ، والإقرار بالعجز عن معرفة جلاله وعظمته ، فمن ذا الذي يحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه وإنما غاية معرفتنا الاعتراف بالعجز عن معرفته فنسأل الله تعالى أن يكرمنا بهدايته بمنه ورأفته .

التالي السابق


(وهذا الباب أيضا لا حصر له، فإن الحيوانات، وأشكالها، وأخلاقها، وطباعها، غير محصورة، وإنما سقط تعجب القلوب منها لأنسها بكثرة المشاهدة، نعم إذا رأى حيوانا غريبا ) في شكله (ولو دودا تجدد ) عند رؤيته (تعجبه، وقال: سبحان الله ما أعجبه! والإنسان أعجب الحيوانات ) إن تأمل فيه (وليس يتعجب من نفسه ) وحينئذ يقال له:

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

(بل لو نظر إلى الأنعام التي ألفها، ونظر إلى أشكالها وصورها، ثم إلى منافعها وفوائدها ) التي خصها الله بها (من جلودها، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها، التي جعلها الله تعالى لباسا لخلقه، وأكنانا لهم في ظعنهم وإقامتهم، وآنية لأشربتهم، وأوعية لأغذيتهم، وصوانا لأقدامهم، وجعل ألبانها ولحومها أغذية لهم، ثم جعل بعضها زينة للركوب، وبعضها حاملة للأثقال، قاطعة للبوادي والمفازات ) قال الله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ، وقال تعالى: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس (لأكثر الناظر التعجب من حكمة خالقها ومصورها، فإنه ما خلقها إلا بعلم محيط بجميع منافعها سابق على خلقه إياها. فسبحان من الأمور مكشوفة في علمه من غير تفكير، ومن غير تأمل وتدبر ) ومن غير روية (ومن غير استعانة بوزير أو بمشير ) أو مدير (فهو العليم الخبير الحكيم القدير ) جل شأنه (فلقد استخرج بأقل القليل مما خلقه صدق الشهادة من قلوب العارفين بتوحيده، فما للخلق إلا الإذعان لقهره وقدرته، والاعتراف بربوبيته، والإقرار بالعجز عن معرفة جلاله وعظمته، فمن ذا الذي يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه ) كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". (وإنما غاية معرفتنا الاعتراف بالعجز عن معرفته ) كما قاله الصديق رضي الله عنه: (فنسأل الله تعالى أن يكرمنا بهدايته بمنه ورأفته ) وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية