وتتوالى علينا مع بقية الدواهي ، فإن دواهي الموت ثلاث: سكرات الموت
: الأولى شدة النزع كما ذكرناه .
الداهية الثانية: مشاهدة صورة ملك الموت ، ودخول الروع والخوف منه على القلب ، فلو رأى صورته التي يقبض عليها روح العبد المذنب أعظم الرجال قوة لم يطق رؤيته .
; فقد روي عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال لملك الموت : هل تستطيع أن تريني صورتك التي تقبض عليها روح الفاجر ؟ قال : لا تطيق ذلك قال بلى ، قال : فأعرض عني ، فأعرض عنه .
ثم التفت فإذا هو برجل أسود قائم ، الشعر ، منتن الريح ، أسود الثياب ، يخرج من فيه ومناخيره لهيب النار والدخان فغشي ، على إبراهيم عليه السلام .
، ثم أفاق وقد عاد ملك الموت إلى صورته الأولى فقال : ملك الموت لو لم يلق الفاجر عند الموت إلا صورة وجهك لكان حسبه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أبو هريرة داود عليه السلام كان رجلا غيورا ، وكان إذا خرج أغلق الأبواب ، فأغلق ذات يوم وخرج ، فأشرفت امرأته فإذا هي برجل في الدار ، فقالت : من أدخل هذا الرجل ؟ لئن جاء داود ليلقين منه عناء فجاء داود فرآه فقال : من أنت ؟ فقال : أنا الذي لا أهاب الملوك ، ولا يمنع مني الحجاب ، فقال : فأنت والله إذن ملك الموت ، وزمل داود عليه السلام مكانه وروي أن عيسى عليه السلام مر بجمجمة فضربها برجله ، فقال : تكلمي بإذن الله ، فقالت : يا روح الله ، أنا ملك زمان كذا وكذا بينا ، أنا جالس في ملكي علي تاجي ، وحولي جنودي وحشمي على سرير ملكي ، إذ بدا لي ملك الموت ، فزال مني كل عضو على حياله ، ثم خرجت نفسي إليه ، فيا ليت ما كان من تلك الجموع كان فرقة ويا ليت ، ما كان من ذلك الأنس كان وحشة فهذه داهية يلقاها العصاة ، ويكفاها المطيعون ، فقد حكى الأنبياء مجرد سكرة النزع دون الروعة التي يدركها من يشاهد صورة ملك الموت كذلك ، ولو رآها في منامه ليلة لتنغص عليه بقية عمره ، فكيف برؤيته في مثل تلك الحال .
وأما المطيع فإنه يراه في أحسن صورة وأجملها ، فقد روى عكرمة عن إن ابن عباس إبراهيم عليه السلام كان رجلا غيورا ، وكان له بيت يتعبد فيه ، فإذا خرج أغلقه ، فرجع ذات يوم فإذا برجل في جوف البيت فقال : من أدخلك داري ؟ فقال : أدخلنيها ربها ، فقال : أنا ربها ، فقال : أدخلنيها من هو أملك بها مني ومنك ، فقال : من أنت من الملائكة ؟ قال : أنا ملك الموت ، قال : هل تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن ؟ قال : نعم ، فأعرض عني ، فأعرض ، ثم التفت فإذا هو بشاب فذكر من حسن وجهه ، وحسن ثيابه ، وطيب ريحه ، فقال : يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن عند الموت إلا صورتك كان حسبه .