وإنما معنى هذه الكلمة أن يموت الرجل وليس في قلبه شيء غير الله فإذا لم يبق له مطلوب سوى الواحد الحق كان قدومه بالموت على محبوبه غاية النعيم في حقه ، وإن كان القلب مشغوفا بالدنيا ملتفتا إليها متأسفا على لذاتها وكانت الكلمة على رأس اللسان ولم ينطبق القلب على تحقيقها وقع الأمر في خطر المشيئة ، فإن مجرد حركة اللسان قليل الجدوى إلا أن يتفضل الله تعالى بالقبول .
وأما فهو مستحب في هذا الوقت وقد ذكرنا ذلك في كتاب الرجاء ، وقد وردت الأخبار بفضل حسن الظن بالله . حسن الظن
دخل واثلة بن الأسقع على مريض فقال : أخبرني كيف ظنك بالله ؟ قال : أغرقتني ذنوب لي وأشرفت على هلكة ، ولكني أرجو رحمة ربي فكبر واثلة وكبر أهل البيت بتكبيره ، وقال : الله أكبر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وقال ثابت البناني كان شاب به حدة وكان له أم تعظه كثيرا ، وتقول له : يا بني ، إن لك يوما فاذكر يومك ، فلما نزل به أمر الله تعالى ، أكبت عليه أمه وجعلت تقول له : يا بني قد كنت أحذرك مصرعك هذا وأقول : إن لك يوما فقال يا أمه ، إن لي ربا كثير المعروف ، وإني لأرجو أن لا يعدمني اليوم بعض معروفه ، قال ثابت : فرحمه الله بحسن ظنه بربه . ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو يموت ، فقال : كيف تجدك قال ؟ : أرجو الله وأخاف ذنوبي ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو وآمنه من الذي يخاف
وقال جابر بن وداعة كان شاب به رهق فاحتضر فقالت له أمه : يا بني توصي بشيء ؟ قال : نعم خاتمي لا تسلبينيه ، فإن فيه ذكر الله تعالى ، فلعل الله يرحمني ، فلما دفن رئي في المنام ، فقال : أخبروا أمي أن الكلمة قد نفعتني وأن الله قد غفر لي .
ومرض أعرابي فقيل له : إنك تموت ، فقال : أين يذهب بي قالوا ؟ : إلى الله ، قال : فما كراهتي أن أذهب إلى من لا يرى الخير إلا منه .
وقال أبو المعتمر بن سليمان قال أبي لما حضرته الوفاة : يا معتمر ، حدثني بالرخص لعلي ألقى الله عز وجل وأنا حسن الظن به وكانوا يستحبون أن يذكر للعبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه .