ويدل على أن آيات وأخبار كثيرة أما الآيات فما ورد في الشهداء إذ قال تعالى : الموت ليس عبارة عن انعدام الروح وانعدام إدراكها ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين ولما قتل صناديد قريش يوم بدر ناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا فلان يا فلان يا فلان قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقيل : يا رسول الله أتناديهم وهم أموات فقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنهم لأسمع لهذا الكلام منكم إلا أنهم لا يقدرون على الجواب فهذا نص في بقاء روح الشقي وبقاء إدراكها ومعرفتها، والآية نص أرواح في الشهداء ولا يخلو الميت عن سعادة أو شقاوة ، وقال صلى الله عليه وسلم : وهذا نص صريح على أن الموت معناه تغير حال فقط ، وأن ما سيكون من شقاوة الميت وسعادته يتعجل عند الموت من غير تأخر ، وإنما يتأخر بعض أنواع العذاب والثواب دون أصله . القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أنس الموت القيامة فمن مات فقد قامت قيامته وقال صلى الله عليه وسلم : وليس يخفى ما في مشاهدة المقعدين من عذاب ونعيم في الحال وعن أبي قيس قال : كنا مع علقمة في جنازة فقال : أما هذا فقد قامت قيامته . إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوة وعشية إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ويقال هذا مقعدك حتى تبعث إليه يوم القيامة
وقال كرم الله وجهه : حرام على نفس أن تخرج من الدنيا حتى تعلم من أهل الجنة هي أم من أهل النار وقال علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة وقال من مات مريضا ووقي فتانتا القبر وغدي وريح عليه برزقه من الجنة مسروق ما غبطت أحدا ما غبطت مؤمنا في اللحد قد استراح من نصب الدنيا وأمن من عذاب الله وقال يعلى بن الوليد : كنت أمشي يوما مع فقلت له : ما تحب لمن تحب ؟ قال : الموت ، قلت : فإن لم يمت ؟ قال : يقل ماله وولده وإنما أحب الموت لأنه لا يحبه إلا المؤمن والموت إطلاق المؤمن من السجن وإنما أحب قلة المال والولد ؛ لأنه فتنة وسبب للأنس بالدنيا والأنس بمن لا بد من فراقه غاية الشقاء ، فكل ما سوى الله وذكره والأنس به فلا بد من فراقه عند الموت لا محالة ولهذا قال عبد الله بن عمرو إنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه أو روحه مثل رجل بات في سجن فأخرج منه فهو يتفسح في الأرض ويتقلب فيها وهذا الذي ذكره حال من تجافى عن الدنيا وتبرم بها ، ولم يكن له أنس إلا بذكر الله تعالى ، وكانت شواغل الدنيا تحبسه عن محبوبه ومقاساة الشهوات تؤذيه فكان في الموت خلاصه من جميع المؤذيات وانفراده بمحبوبه الذي كان به أنسه من غير عائق ولا دافع ، وما أجدر ذلك بأن يكون منتهى النعيم واللذات أبي الدرداء لأنهم ما أقدموا على القتال إلا قاطعين التفاتهم عن علائق الدنيا مشتاقين إلى لقاء الله راضين بالقتل في طلب مرضاته فإن نظر إلى الدنيا فقد باعها طوعا بالآخرة والبائع لا يلتفت قلبه إلى المبيع وإن نظر إلى الآخرة فقد اشتراها وتشوق إليها فما أعظم فرحه بما اشتراه إذا رآه ، وما أقل التفاته إلى ما باعه إذا فارقه ، وتجرد القلب لحب الله تعالى قد يتفق في بعض الأحوال ولكن لا يدركه الموت عليه فيتغير والقتال سبب للموت فكان سببا لإدراك الموت على مثل هذه الحالة فلهذا عظم النعيم إذ معنى النعيم أن ينال الإنسان ما يريده قال الله تعالى : وأكمل اللذات للشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ولهم ما يشتهون فكان هذا أجمع عبارة لمعاني لذات الجنة ، وأعظم العذاب أن يمنع الإنسان عن مراده كما قال الله تعالى : وحيل بينهم وبين ما يشتهون فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنم ، وهذا النعيم يدركه الشهيد كما انقطع نفسه من غير تأخير ، وهذا أمر انكشف لأرباب القلوب بنور اليقين ، وإن أردت عليه شهادة من جهة السمع فجميع أحاديث الشهداء تدل عليه وكل حديث يشتمل على التعبير عن منتهى نعيمهم بعبارة أخرى فقد روي عن رضي الله عنها ، أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر ألا أبشرك يا عائشة ، جابر وكان قد ؟ استشهد أبوه يوم أحد فقال : بلى بشرك الله بالخير فقال : إن الله عز وجل قد أحيا أباك وأقعده بين يديه وقال : تمن علي عبدي ما شئت أعطيكه فقال : يا رب ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك فأقتل فيك مرة أخرى ، قال له أنه : قد سبق مني أنك إليها لا ترجع وقال كعب فكنت أشتهي أن أرد فأقتل فيه قتلات . يوجد رجل في الجنة يبكي فيقال له : لم تبكي وأنت في الجنة ؟ قال : أبكي لأني لم أقتل في الله إلا قتلة واحدة