الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعن عطاء بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يا عمر : كيف بك إذا أنت مت فانطلق بك قومك فقاسوا لك ثلاثة أذرع في ذراع وشبر ؟ ثم رجعوا إليك فغسلوك وكفنوك وحنطوك ، ثم احتملوك حتى يضعوك فيه ، ثم يهيلوا عليك التراب ويدفنوك فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يجران أشعارهما ويبحثان القبر بأنيابهما فتلتلاك وترتراك كيف بك عند ذلك يا عمر فقال عمر ويكون معي مثل عقلي الآن قال ؟ : نعم قال: إذا أكفيكهما .

وهذا نص صريح في أن العقل لا يتغير بالموت إنما يتغير البدن والأعضاء فيكون الميت عاقلا مدركا عالما بالآلام واللذات كما كان لا يتغير من عقله شيء وليس العقل المدرك هذه الأعضاء بل هو شيء باطن ليس له طول ولا عرض بل الذي لا ينقسم في نفسه هو المدرك للأشياء ولو تناثرت أعضاء الإنسان كلها ولم يبق إلا الجزء المدرك الذي لا يتجزأ ولا ينقسم لكان الإنسان العاقل بكماله قائما باقيا وهو كذلك بعد الموت ، فإن ذلك الجزء لا يحله الموت ولا يطرأ عليه العدم .

التالي السابق


وله شاهد مرسل أشار إليه المصنف بقوله .

(وعن عطاء بن يسار) للهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: كيف بك إذا أنت مت فانطلق بك قومك فقاسوا لك ثلاث أذرع في ثلاث أذرع؟) كذا في النسخ والرواية: ثلاثة أذرع وشبرا في ذراع وشبر (ثم رجعوا إليك فغسلوك وكفنوك وحنطوك، ثم احتملوك حتى يضعوك فيه، ثم يهيلوا عليك التراب ويدفنوك فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف) أي: الشديد المتجلجل (وأبصارهما كالبرق الخاطف) أي: الذي يخطف الأبصار (يجران أشعارهما) لطولها (ويحشيان القبر) وفي رواية يبحثان (بأنيابهما) ومن قوله: يجران إلى هنا لا يوجد في أكثر روايات هذا المرسل عند الجماعة وأنه هو في حديث عمر المتقدم ذكره (فتلتلاك) هو بمثناتين أي زعزعاك وأقلقاك وأزعجاك (وترتراك) هو أيضا بمثناتين بمعنى الأول وضبطه السيوطي بمثلثتين وفسره بكثرة الكلام وتزيده وأنت خبير بأن هذا المعنى لا يوافق سياق الحديث، وفي رواية هنا زيادة هولاك والتهويل التفزيع (كيف بك) وفي رواية فكيف بك (عند ذلك يا عمر فقال عمر) رضي الله عنه: يا رسول الله (ويكون معي مثل عقلي الآن؟) وفي الرواية: يا رسول الله ومعي عقلي؟ (فقال: نعم قال: إذا أكفيكهما) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور هكذا مرسلا ورجاله ثقات قال البيهقي في الاعتقاد، ورويناه من وجه صحيح عن عطاء بن يسار مرسلا قلت: وصله ابن بطة في الإبانة من حديث ابن عباس، ورواه البيهقي في الاعتقاد من حديث عمر وقال: غريب بهذا الإسناد تفرد به مفضل ولأحمد وابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو فقال عمر: أترد إلينا عقولنا؟ فقال: نعم كهيئتكم اليوم فقال عمر: بفيه الحجر. اهـ .

قلت: هذا المرسل رواه كذلك أبو نعيم في الحلية والآجري في الشريعة والبيهقي [ ص: 415 ] في عذاب القبر قال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن يوسف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا سعيد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عطاء بن يسار فذكره .

وأما حديث ابن عباس الذي أشار إليه بأنه وصله ابن بطة فقد رواه أيضا البيهقي في عذاب القبر عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك يا عمر إذا انتهى بك إلى الأرض فحفر لك ثلاثة أذرع وشبر في ذراع وشبر ثم أتاك منكر ونكير أسودان يجران أشعارهما كأن أصواتهما الرعد القاصف وكأن أعينهما البرق الخاطف يحفران الأرض بأنيابهما فأجلساك فرعا فتلتلاك وتوهلاك؟ قال: يا رسول الله وأنا يومئذ على ما أنا عليه؟ قال: نعم قال: أكفيكهما بإذن الله تعالى يا رسول الله، وأما قوله: تفرد به مفضل فقد تقدم الكلام عليه قبل هذا قريبا، وأما ما أشار إليه من حديث عبد الله بن عمر فقال أحمد في المسند: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله أن عبد الله أبا عبد الرحمن حدثه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر فتانا القبر فقال عمر: أترد إلينا عقولنا؟ فذكره وهو حديث صحيح في الإسناد، أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح، وكذلك رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور والآجري في الشريعة وابن عدي وغيرهم (وهذا نص صريح في أن العقل لا يتغير بالموت إنما يتغير البدن والأعضاء) بالزمانة فيها (فيكون الميت عاقلا مدركا عالما بالآلام واللذات كما كان لا يتغير من عقله شيء وليس العقل المدرك هذه الأعضاء بل هو شيء باطن ليس له طول ولا عرض بل الذي تنقسم في نفسه هو المدرك للأشياء ولو تناثرت أعضاء الإنسان كلها ولم يبق إلا الجزء المدرك الذي لا يتجزأ ولا ينقسم لكان الإنسان العاقل بكماله قائما باقيا وهو كذلك بعد الموت، فإن ذلك الجزء لا يحله الموت ولا يطرأ عليه العدم) .

وأما حديث أنس فأخرج الشيخان وغيرهما من طريق قتادة عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم قال: يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ زاد ابن مردويه: الذي كان بين أظهركم الذي يقال له محمد قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبده ورسوله فيقال: له انظر إلى مقعدك من النار فقد أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعا قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا، وأما المنافق أو الكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقوله الناس فيقال: لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة سمعها من يليه إلا الثقلين، وروى أحمد وأبو داود في سننه والبيهقي في عذاب القبر عن أنس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، وإن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فسأله: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: أعبد الله فيقال له: ما كنت تعبد فإن الله هداه؟ قال: أعبد الله فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله فما يسأل عن شيء بعدها فينطلق به إلى بيت كان له في النار فيقال له: هذا بيتك كان لك في النار ولكن الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنة فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له: اسكن، وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس فيضربونه بمطارق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين، وأخرج الديلمي من حديث أنس رفعه: يدخل منكر ونكير على الميت في قبره فيقعدانه فإن كان مؤمنا قالا له: من ربك؟ قال: الله قالا: ومن نبيك؟ قال: محمد قالا: ومن إمامك؟ قال: القرآن فيوسعان عليه في قبره، وإن كان كافرا يقولان له: من ربك؟ قال: لا أدري قالا: ومن نبيك؟ قال: لا أدري قالا: ومن إمامك؟ قال: لا أدري فيضربانه بالعمود ضربة حتى يلتهب القبر نارا فيضيق عليه حتى تختلف أعضاؤه.

وأما حديث بشير بن أكال فأخرجه البزار والطبراني وابن السكن عن أيوب بن بشير عن أبيه قال: كانت ثائرة في بني معاوية فذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلح بينهم فالتفت إلى قبر فقال: لا دريت فقيل له: إن هذا يسأل عني فقال: لا أدري.

وأما حديث ثوبان فأخرجه أبو نعيم عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: إذا مات المؤمن كانت الصلاة عند رأسه والصدقة عن يمينه والصيام عند صدره، وذكر حديث القبر نحو حديث البراء، هكذا أورده في الحلية ولم يسقه .

وأما حديث جابر بن عبد الله [ ص: 416 ] فأخرج أحمد والطبراني في الأوسط وابن أبي الدنيا والبيهقي من طريق ابن الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه جاء ملك شديد الانتهار فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول المؤمن: أقول: إنه رسول الله وعبده فيقول الملك: انظر إلى مقعدك الذي كان من النار قد أنجاك الله منه وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة فيراهما كليهما، فيقول المؤمن: دعوني أبشر أهلي فيقال له: اسكن، وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري أقول ما يقول الناس فيقال له: لا دريت هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة قد أبدلك الله مكانه مقعدك من النار، قال جابر: فسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يبعث كل عبد في القبر على ما مات عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه، وأخرج ابن ماجه وابن أبي الدنيا وابن أبي عاصم في السنة عن جابر رفعه: إذا أدخل الميت قبره مثلت له الشمس عند غروبها فيجلس يمسح عينه ويقول: دعوني أصلي، وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو نعيم عن جابر رفعه: إذا أدخل الميت قبره رد الروح في جسده، وجاءه ملكان من القبر فامتحناه، ثم يرتفعان، الحديث، وروى ابن أبي عاصم وابن مردويه والبيهقي من طريق أبي سفيان عن جابر رفعه: إذا وضع المؤمن في القبر أتاه ملكان فانتهراه فقام يهب كما يهب النائم فيقال له: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ فيقول: الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي فينادي مناديان صدق فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة فيقول: دعوني أخبر أهلي فيقال له: اسكن.

وأما حديث حذيفة فقد تقدم عند ذكر معرفة الميت لمن يغسله ويكفنه .

وأما حديث عبادة بن الصامت فقد تقدم ذكره مختصرا وهو طويل رواه ابن أبي الدنيا في التهجد وابن الضريس في فضائل القرآن وحميد بن زنجويه في فضائل الأعمال وأوله: إذا قام أحدكم في الليل فليجهر بقراءته، الحديث، وفيه: فيصعد القرآن إلى ربه فيسأل له فراشا ودثارا فيؤمر له بفراش ودثار وقنديل من نور الجنة وياسمين من الجنة فيحمله ألف ملك من مقربي السماء الدنيا وفيه فيوسع له مسيرة أربعمائة عام قال أبو موسى المديني: هذا خبر حسن رواه أحمد وأبو خيثمة وطبقتهما عن أبي عبد الرحمن المقري بسنده إلى عبادة، وقد أخرجه العقيلي في الضعفاء وابن الجوزي في الموضوعات من وجه آخر عن عبادة مرفوعا وقال: لا يصح .

وأما حديث ابن عباس فأخرج البيهقي بسند حسن عنه رفعه: أن الميت يسمع خفق نعالهم حين يولون قال: ثم يجلس فيقال له: من ربك؟ فيقول: الله، ثم يقال: ما دينك؟ فيقول: الإسلام، ثم يقال له: من نبيك؟ فيقول: محمد، فيقال: وما علمك؟ فيقول: عرفته وآمنت به وصدقت بما جاء به من الكتاب، ثم يفسح له في قبره مد بصره وتجعل روحه مع أرواح المؤمنين، وروى الطبراني في الأوسط بسند حسن عنه قال: اسم الملكين اللذين يأتيان في القبر منكر ونكير، وروى ابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال: إذا دفن المؤمن أجلس في قبره فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله فيقال له: من رسولك؟ فيقول: محمد، فيقال له: وما شهادتك؟ يقول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا الآية: فيوسع له في قبره مد بصره، وأما الكافر فتنزل الملائكة فيبسطون أيديهم ويضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت، فإذا أدخل قبره أقعد فقيل له من ربك فلم يرجع إليهم شيئا وأنساه الله ذكر ذلك، وإذا قيل له: من الرسول الذي بعث إليكم؟ لم يهتد له ولم يرجع إليهم شيئا فذلك قوله تعالى: ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ولحديث ابن عباس طريق أخرى تقدم ذكرها في ذكر حديث عمر بن الخطاب وطريق أخرى رواها جويبر في التفسير عن الضحاك بأطول مما ذكر يشبه سياقه سياق حديث البراء .

وأما حديث ابن عمر فأخرجه الديلمي في مسند الفردوس عنه رفعه: ألظوا ألسنتكم قول: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله ربنا والإسلام ديننا ومحمدا نبينا فإنكم تسألون عنها في قبوركم.

وأما حديث عبد الله بن عمرو فقد تقدم في ترجمة حديث عمر بن الخطاب.

وأما حديث ابن مسعود فله طرق منها ما أخرج الطبراني في الكبير بسند حسن والبيهقي في عذاب القبر عنه قال: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره فيقال له: ما ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- فيوسع له في قبره ويفرج [ ص: 417 ] له فيه، ثم قرأ: يثبت الله الذين آمنوا الآية، وإن الكافر إذا أدخل في قبره أجلس فيه فقيل له: من ربك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري فيضيق عليه قبره ويعذب فيه، ثم قرأ ابن مسعود: ومن أعرض عن ذكري الآية.



ومنها ما أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عنه قال: إن أحدكم ليجلس في قبره إجلاسا فيقال له: ما أنت؟ فإن كان مؤمنا قال: أنا عبد الله حيا وميتا وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيفسح له في قبره ما شاء فيرى مكانه من الجنة وينزل عليه كسوة يلبسها من الجنة، وأما الكافر فيقال له: ما أنت؟ فيقول: لا أدري فيقال: لا دريت ثلاثا فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويرسل عليه حيات من جوانب قبره تنتهسه وتأكله فإذا جزع فصاح قمع بمقمع من نار أو حديد ويفتح له باب إلى النار ومنها ما روى الآجري في الشريعة عنه قال: إذا توفي العبد بعث إليه ملائكة يقبضون روحه في أكفانه، فإذا وضع في قبره بعث الله إليه ملكين ينتهرانه فيقولان: من ربك؟ قال: ربي الله قالا: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام قالا: ومن نبيك؟ قال: نبيي محمد قالا: صدقت كذلك كنت أفرشوه من الجنة وألبسوه منها وأروه مقعده منها، وأما الكافر فيضرب ضربة يلتهب قبره منها نارا ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه وتبعث عليه حيات من حيات القبر كأعناق الإبل ومنها ما روى الخلال في كتاب شرح السنة عنه قال: إن المؤمن إذا نزل به الموت أتاه ملك الموت فساقه، وفيه: فإذا وضع في قبره أجلس وجيء بالروح وجعلت فيه فيقال له: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقال له: صدقت فيوسع له في قبره مد بصره، ثم ترفع روحه فتجعل في أعلى عليين، الحديث .

وأما حديث عثمان فأخرج أبو داود والحاكم والبيهقي عنه قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجنازة عند قبر وصاحبه يدفن فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل.

وأما حديث عمرو بن العاص فقد تقدم ذكره في كلام المحتضرين .

وأما حديث معاذ فروى البزار عنه رفعه أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن عليه خيمة من نور، فساقه، وفيه فإذا وضع في قبره وسوي عليه وتفرق عنه أصحابه أتاه منكر ونكير فيجلسانه في قبره، الحديث، وفيه: فيقول القرآن ليس عليك بعد مسألة منكر ونكير ولا حزن فيسأله منكر ونكير ويصعدان ويبقى هو والقرآن، الحديث بطوله وهو غريب وفي إسناده جهالة وانقطاع .

وأما حديث أبي أمامة فقد تقدم في التلقين .

وأما حديث أبي الدرداء فأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة والآجري في الشريعة والبيهقي عنه أن رجلا قال له: علمني خيرا ينفعني الله به فقال: أما لا فاعقل كيف أنت إذا لم يكن لك من الأرض إلا موضع أربعة أذرع في ذراعين جاء بك أهلك الذين كانوا يكرهون فراقك وإخوانك الذين كانوا يتحزبون لأمرك فتلوك في ذلك، ثم سدوا عليك من اللبن وأكثروا عليك من التراب فجاءك ملكان أزرقان جعدان يقال لهما: منكر ونكير فقالا: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فإن قلت: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد والله هديت ونجوت ولن تستطيع ذلك إلا بتثبيت من الله تعالى مع ما نرى من الشدة والتخويف وإن قلت: لا أدري فقد والله هويت.

وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرج أحمد والبزار وابن أبي الدنيا وابن عاصم في السنة وابن مردويه والبيهقي بسند صحيح عنه قال: شهدنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جنازة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده قال: ما تقول في هذا الرجل؟ إن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول: له صدقت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره، وإن كان كافرا أو منافقا قيل له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذا كفرت به فإن الله أبدلك به هذا ويفتح له إلى النار، ثم يقمعه مقمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين فقال بعض القوم: يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هيل عند ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت .

وأما حديث أبي رافع فأخرج الطبراني وأبو نعيم في دلائل النبوة عنه أن رسول الله [ ص: 418 ] -صلى الله عليه وسلم- مر على قبر فقال: أف أف أف فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما معك غيري فمني أففت؟ قال: لا ولكني أففت من صاحب هذا القبر الذي سئل عني فشك في، وروى البزار والطبراني والبيهقي عنه قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بقيع الغرقد وأنا أمشي خلفه إذ قال: لا هديت ولا اهتديت قلت: مالي يا رسول الله؟ قال: لست إياك أردت ولكن أريد صاحب هذا القبر الذي سئل عني، فزعم أنه لا يعرفني فإذا قبر مرشوش عليه ماء حين دفن في القبر صاحبه.

وأما حديث أبي قتادة فأخرجه ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن منده عنه قال: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره فيقال له: من ربك؟ فيقول الله تعالى: فيقال له: من نبيك؟ فيقول: محمد بن عبد الله فيقال له ذلك ثلاث مرات، ثم يفتح له باب إلى النار فيقال: انظر إلى منزلك لو زغت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال: انظر إلى منزلك في الجنة إذا ثبت، وإذا مات الكافر أجلس في قبره فيقال له: انظر إلى منزلك لو ثبت، ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له: انظر إلى منزلك إذ زغت فذلك قوله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال: لا إله إلا الله وفي الآخرة قال: المسألة في القبر.

وأما حديث أبي موسى فأخرجه البيهقي في عذاب القبر عقب حديث ابن مسعود ولم يسق لفظه بل أحاله عليه، وأما حديث أسماء بنت أبي بكر فأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عنها أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا فيقال له: قد علمنا أن كنت لمؤمنا، ثم صالحا، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري سمعت الناس شيئا يقولونه فقلت، وروى أحمد عنها رفعته: إذا أدخل الإنسان في قبره يأتيه الملك فيناديه اجلس فيجلس فيقول: له ما تقول في هذا الرجل؟ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من؟ قال: محمد قال: أشهد أنه رسول الله قال: يقول: على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث، وإن كان فاجرا أو كافرا جاءه الملك فأجلسه ويقول: ما تقول في هذا الرجل؟ قال: أي رجل؟ قال: محمد قال: يقول: والله وما أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته قال: فيقول له الملك: على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث، وإن كان فاجرا أو كافرا جاءه الملك فأجلسه ويقول: ما تقول في هذا الرجل قال: أي رجل؟ قال: محمد قال: يقول: والله ما أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته قال: فيقول له الملك: على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث، الحديث .

وأما حديث عائشة فأخرج أحمد والبيهقي بسند صحيح عنها قالت: جاءت يهودية فاستطعمت على بابي فقالت: أطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، فساق الحديث، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشعوف، ثم يقال: فيم كنت؟ فيقول: في الإسلام فيقال: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله جاءنا بالبينات فصدقناه فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: انظر ما وقاك الله، ثم يفرج له فرجة إلى الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال هذا مقعدك منها ويقال: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى، وإذا كان الرجل السوء جلس في قبره فزعا مشعوفا فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري فيقال: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما يقولون فيفرج له فرجة من الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، ويقال: هذا مقعدك بها، على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يعذب، وأخرج البزار عنها قلت: يا رسول الله تبتلى هذه الأمة في قبورها فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة؟ قال: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فهذه جملة الأخبار التي وردت في سؤال الملكين.



الخدمات العلمية