ثم انظر إلى تفاوت الدركات ، فإن الآخرة أكبر درجات ، وأكبر تفضيلا ، فكما أن فمن منهمك مستكثر كالغريق فيها ومن خائض فيها إلى حد محدود فكذلك إكباب الناس على الدنيا يتفاوت فإن الله لا يظلم مثقال ذرة فلا تترادف أنواع العذاب على كل من في النار كيفما كان ، بل لكل واحد حد معلوم على قدر عصيانه ، وذنبه ، إلا أن أقلهم عذابا ، لو عرضت عليه الدنيا بحذافير لافتدى بها من شدة ما هو فيه ما هو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ، ينتعل بنعلين من نار ، يغلي دماغه من حرارة نعليه فانظر الآن إلى من خفف عليه ، واعتبر بمن ، شدد عليه . تناول النار لهم متفاوت ،
ومهما تشككت في شدة عذاب النار فقرب إصبعك من النار ، وقس ذلك به ثم اعلم أنك أخطأت في القياس ، فإن نار الدنيا لا تناسب نار جهنم ولكن لما كان أشد عذاب في الدنيا عذاب هذه النار ، عرف عذاب جهنم بها وهيهات ، لو وجد أهل الجحيم مثل هذه النار لخاضوها طائعين ، هربا مما هم فيه ، وعن هذا عبر في بعض الأخبار ، حيث قيل : إن نار الدنيا غسلت بسبعين ماء من مياه الرحمة ، حتى أطاقها أهل الدنيا بل صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بصفة نار جهنم وقال صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى أن يوقد على النار ألف عام حتى احمرت ، ثم أوقد عليه ألف عام حتى ابيضت ، ثم أوقد عليه ألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة . اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : يا رب أكل بعضي بعضا ، فأذن لها في نفسين ، نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ، فأشد ما تجدونه في الصيف من حرها ، وأشد ما تجدونه في الشتاء من زمهريرها
وقال يؤتى بأنعم الناس في الدنيا من الكفار ، فيقال : اغمسوه في النار غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت نعيما قط فيقال ؟ : لا ، ويؤتى بأشد الناس ضرا في الدنيا ، فيقال : اغمسوه في الجنة غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت ضرا قط ؟ فيقول : لا وقال أنس بن مالك لو كان في المسجد مائة ألف أو يزيدون ، ثم تنفس رجل من أهل النار لماتوا . أبو هريرة