الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرءوا إن شئتم وظل ممدود وقال أبو أمامة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إن الله عز وجل ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي فقال : يا رسول الله ، قد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية ، وما كنت أدري أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هي ؟ قال : السدر ، فإن لها شوكا ، فقال قد قال الله تعالى : في سدر مخضود يخضد الله شوكه فيجعل مكان كل شوكة ثمرة ثم ، تنفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ، ما منها لون يشبه الآخر وقال جرير بن عبد الله نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة ، قد كادت الشمس أن تبلغه ، فقلت للغلام : انطلق بهذا النطع فأظله فانطلق فأظله ، فلما استيقظ فإذا هو سلمان ، فأتيته أسلم عليه ، فقال : يا جرير ، تواضع لله ، فإن من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة ، هل تدري ما الظلمات يوم القيامة ؟ قلت : لا أدري ، قال : ظلم الناس بعضهم بعضا ، ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه من صغره فقال : يا جرير ، لو طلبت مثل هذا في الجنة لم تجده ، قلت : يا أبا عبد الله فأين النخل والشجر ؟ قال : أصولها اللؤلؤ ، والذهب ، وأعلاها الثمر .

التالي السابق


ولما فرغ من ذكر أنهار الجنة، شرع في ذكر أشجارها، فقال: (وقال أبو هريرة ) -رضي الله عنه-: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن في الجنة شجرة) ، قيل: هي شجرة طوبى، وقيل: غيرها، والشجر من النبات: ما قام على ساق، أو ما سما بنفسه، دق أو جل، (يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها) . واستشكل بأنه من أين هذا الظل، والشمس قد كورت، وليس في الجنة شمس؟ وأجاب السبكي: بأنه لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل، وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تنسخه الشمس، وليس كذلك، بل الظل مخلوق لله تعالى، وليس بعدم، بل هو أمر وجودي له نفع في الأبدان، وغيرها، (اقرؤوا إن شئتم وظل ممدود) قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي هريرة، اهـ .

قلت: ورواه كذلك عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وهناد، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، زاد ابن أبي شيبة بعد أن رواه عن يعلى بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى بني مخزوم، عن أبي هريرة، قال: فبلغ ذلك كعبا، فقال: صدق والذي أنزل التوراة على لسان موسى، والقرآن على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-، لو أن رجلا ركب حقة، أو جذعة، ثم أدار بأهل تلك الشجرة، ما بلغها حتى يسقط هرما، إن الله غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها من وراء سور الجنة، وما في الجنة من نهر إلا يخرج من أصل تلك الشجرة. وروى أحمد، والبخاري، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، من حديث أنس : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وإن شئتم فاقرؤوا: وظل ممدود وماء مسكوب .

وروى ابن مردويه، من حديث أبي سعيد: في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وذاك الظل المدود. ويروى: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها. رواه كذلك أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والترمذي، من حديث أنس، والشيخان من حديث سهل بن سعد، وأحمد، وهناد، والترمذي، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة، وأحمد، وهناد، والترمذي، من حديث أبي سعيد، والجواد: هو الفرس الفائق السابق الجيد، والمضمر: الذي قلل علفه تدريجا ليشتد جريه، قال الزركشي: هو بنصب الجواد، وفتح الميم الثانية من المضمر، ونصب الراء، نعت لمفعول الراكب، وضبطه الأصيلي، بضم المضمر، والجواد، صفة للراكب، فيكون على هذا بكسر الميم الثانية، وقد يكون على البدل، اهـ .

وروى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس، قال: الظل الممدود: شجرة في الجنة على ساق، ظلها على قدر ما يسير الراكب في كل نواحيها مائة عام، فيخرج إليها أهل الجنة، أهل الغرف، وغيرهم، فيتحدثون في ظلها، فيشتهي بعضهم، ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحا من الجنة، فتحرك تلك الشجرة، بكل لهو في الدنيا .

وروى ابن أبي الدنيا، عن ابن عباس، قال: في الجنة شجرة لا تحمل، يستظل به. وروى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن عمرو بن ميمون : وظل ممدود، قال: مسيرة سبعين ألف سنة .

(وقال أبو أمامة) الباهلي -رضي الله عنه-: (كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: إن الله -عز وجل- ينفعنا بالأعراب) ، وهم سكان البادية الأجلاف، (ومسائلهم) ، أي: لجراءتهم على السؤال عن كل شيء يخطر [ ص: 534 ] ببالهم من غير محاشاة، ولا التزام أدب، بخلاف الصحابة المستمرين لمشاهدته -صلى الله عليه وسلم-، ما كانوا يجترؤن عليه في السؤال; لاستغراقهم، وكمال أدبهم، ومن ذلك: أنه (أقبل أعرابي) من البادية، (فقال: يا رسول الله، قد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما هي؟ قال: السدر، فإن لها شوكا، فقال) -صلى الله عليه وسلم-: (قد قال الله تعالى: في سدر مخضود) أي: (يخضد الله شوكه) ، أي: يكسره، (فيجعل مكان كل شوكة ثمرة، تنفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا من طعام، ما منها لون يشبه الآخر) . قال العراقي : رواه ابن المبارك في الزهد، عن صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، مرسلا، من غير ذكر لأبي أمامة، اهـ .

قلت: سياق المصنف أورده الحاكم في المستدرك، وصححه، والبيهقي في البعث، وروى أبو بكر بن أبي داود في البعث، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه، عن عتبة بن عبد السلمي، قال: كنت جالسا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءه أعرابي، فقال: يا رسول الله، أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها، يعني: الطلح، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تعالى يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصية التيس الملبود، يعني: المخصي، فيها سبعون لونا من الطعام، لا يشبه لون الآخر

(وقال جرير بن عبد الله) البجلي -رضي الله عنه-: (نزلنا الصفاح) ، اسم موضع، (فإذا رجل نائم تحت شجرة، قد كادت الشمس أن تبلغه، فقلت للغلام: انطلق بهذا النطع فأظله، فلما استيقظ إذا هو سلمان، فأتيته أسلم عليه، فقال: يا جرير، تواضع لله، فإن من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة، هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت: لا أدري، قال: ظلم الناس بينهم، ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه من صغره، قال: يا جرير، لو طلبت مثل هذا في الجنة لم تجده، قلت: يا أبا عبد الله) ، وهي كنية سلمان، (فأين النخل والشجر؟ قال: أصولها اللؤلؤ، والذهب، وأعلاها الثمر) .

قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم، حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن جرير، قال سلمان : تواضع لله، فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة، يا جرير، هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت: لا أدري، قال: ظلم الناس بينهم في الدنيا، قال: ثم أخذ عويدا لا أكاد أن أراه بين أصبعيه، قال: يا جرير، لو طلبت في الجنة مثل هذا لم تجده، قال: قلت: يا أبا عبد الله، وأين النخل والشجر؟ قال: أصولها اللؤلؤ والذهب، وأعلاها الثمر، رواه جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه نحوه .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن جرير، عن سلمان، قال: الشجر والنخل أصولها وسوقها اللؤلؤ، والذهب، وأعلاها الثمر. وبهذا السند قال: الشجر والنخل أصولها وسوقها اللؤلؤ. ورواه البيهقي مثل ذلك، وروى ابن مردويه، من حديث أبي سعيد : أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن نخل الجنة؟ فقال: أصولها فضة، وجذوعها ذهب، وسعفه حلل، وحمله الرطب، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من الشهد، وألين من الزبد .

ومما يناسب إيراده في هذا الفصل، ما رواه الطبراني من حديث سمرة : إن في الجنة شجرة مستقلة على ساق واحدة، وعرض ساقها سير سبعين سنة . وروي أيضا من حديث الحسن بن علي، بسند ضعيف: إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى، يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة، فلا يرفع لهم ديوان، ولا ينصب لهم ميزان، يصب عليهم الأجر صبا، وقرأ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وروى أبو الشيخ في العظمة، والخطيب من حديث علي : إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها الحلل، ومن أسفلها خيل بلق، من ذهب، مسرجة ملجمة بالدر والياقوت، لا تروث، ولا تبول، ذوات أجنحة، فيجلس عليها أولياء الله، فتطير بهم حيث شاؤوا، فيقول الذين أسفل منهم: يا أهل الجنة، ناصفونا، يا رب، ما بلغ بهؤلاء هذه الكرامة؟ فقال الله: إنهم كانوا يصومون، وكنتم تفطرون، وكانوا يقومون الليل، وكنتم تنامون، وكانوا ينفقون، وكنتم تبخلون، وكانوا يجاهدون العدو، وكنتم تجبنون .

وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس، رفعه: لما انتهيت إلى السدرة إذا ورقها أمثال آذان الفيلة، وإذا نبقها أمثال القلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها، تحولت، فذكرت الياقوت.

حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن حسان، عن معتب بن نجي، في قوله: طوبى، قال: هي شجرة في الجنة، ليس من أهل الجنة دار إلا يظلهم غصن من أغصانها، فيها من ألوان الثمر... الحديث .

[ ص: 535 ] حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي صالح، قال: طوبى شجرة في الجنة، لو أن راكبا ركب جذعة، أو حقة، فأطاف بها، ما بلغ الموضع الذي يركب فيه، حتى يدركه الهرم.

حدثنا مروان بن معاوية، عن علي بن أبي الوليد، قال: سئل مجاهد، هل في الجنة سماع؟ قال: إن في الجنة لشجرا لها سماع، لم يسمع السامعون إلى مثله.

وفي حادي القلوب، روى أحمد في مسنده، مرفوعا: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما، أو مائة سنة، هي شجرة الخلد . ويروى: طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها .

وإذا تقرر أن الراكب يسير في ظل هذه الشجرة مائة عام، فيحتمل أن يكون المراد بالسير المذكور: السير في ظلها حول أصلها، ويدل عليه ما فى مسند أحمد، من بعض حديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي الذي سأله عن طوبى: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما .

وروى ابن المبارك في الزهد، عن ابن عباس، قال: نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر، وكربها من ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم، وحللهم، وثمرتها أمثال القلال، والدلاء، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، ليس فيه عجم. والكرب محركة: أصول السعف .

وروى الترمذي حديثا مرفوعا: ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب . وفي بعض المسانيد في ذكر سدرة المنتهى: يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة، أو قال: يستظل في الفنن منها مائة راكب، فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال .

وروى ابن المبارك، عن مجاهد، قال: أصل الجنة من ورق، وترابها مسك، وأصول أشجارها ذهب وورق، وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت، والورق والثمر تحت ذلك، فمن أكل قائما لم يؤذه، ومن أكل جالسا لم يؤذه، ومن أكل مضطجعا لم يؤذه، وذللت قطوفها تذليلا .




الخدمات العلمية