وأيضا فإن الطلاق عقب الظهار قد يكون محرما، لكونه ليس زمن طهر لم يجامعها فيه، بل قد تكون المرأة حائضا، أو موطوءة في الطهر، فلا يحل له طلاقها، ولا له غرض في إمساكها، بل هو يختار طلاقها، لكن الشرع أمره أن يؤخر الطلاق إلى طهر لم يجامعها فيه، فكيف يكون هذا مختارا لها عائدا إلى ما قال؟ مع كمال بغضه وكراهته لها.
وأيضا فإن طلقها طلاقا رجعيا فهي زوجه، ترثه ويرثها، وذلك لا ينافي بقاء النكاح، وإن طلقها غير رجعي فذلك منهي عنه، كما دل عليه الكتاب والسنة.
وأيضا فقد يقف مترددا هل يمسكها أو يفارقها؟ فكيف يجعل عائدا بمجرد ترك الطلاق؟.
وصاحب هذا القول إنما قاله لما رأى قول من قال هو الوطء أو العزم عليه، فيه إشكال، ورأى أن الظهار اقتضى خروجها من ملكه، فإن طلقها فقد أنفذ موجبه، وإن لم يطلقها فقد ناقض موجب الظهار، فقد عاد إلى ما قال.
وليس كذلك، فقد يكون في زمن التردد والتطويل يعود أو يطلق، وإنما يكون عائدا إذا أتى بخصيصة النكاح، وهي الوطء.
والذي عليه عامة السلف والفقهاء أن وجمهور السلف قالوا: هو الوطء، كذلك قال العود هو الوطء أو العزم عليه، طاوس والحسن والزهري وقتادة، وهو قول وغيره. وقالت طائفة: هو العزم على الوطء، كما يحكى عن أحمد ومالك وطائفة من أصحاب أبي حنيفة [ ص: 398 ] أحمد.
وسبب النزاع في ذلك أن عليه إخراج الكفارة قبل الوطء بنص القرآن، قال تعالى: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا .
وأما قول من قال: هو تكرير لفظ الظهار، فهو من أضعف الأقوال أيضا، فإن ذلك مخالف لأصول الشرع، إذ كان القول المحرم تحرم منه المرة الواحدة والمرتان والثلاث، وكلما كرره كان أعظم إثما. والأحكام المعلقة به إنما هي معلقة بجنسه، كالقذف واليمين الغموس وشهادة الزور، وتحريم الحلال بغير الظهار، إما بصيغة قسم وإما بغير ذلك، وكذلك الكفر والردة، وأمثال ذلك الحكم المعلق بهذه معلق بجنسها، وإذا غلظ القول وكرره تغلظ الإثم وتكرر. لكن ليس فيها ما يقال: إنه لا يلزمه بالمرة الواحدة حكم، لكن إن كرره لزمه الحكم، وإنما يقال هذا فيمن لزمه الحكم أولا، أو تاب ورجع، ثم عاد إلى ما نهي عنه، فهذا قد يختلف حكمه، فكذلك ما فعله أولا قبل العلم بالتحريم، أو فعله ناسيا أو مخطئا، فعفي عنه. فهذا قد يقال فيه: إنه إذا عاد لزمه الحكم، لكون العود ليس من جنس الأول، بل الثاني فعله عالما عامدا.