فهذه على أهل الإيمان الاستمساك بها. ولا ريب أن الله قد أوجب فيها من حرمة خلفائه وأهل بيته والسابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان ما أوجب، قال الله تعالى: أصول الإسلام التي هي الكتاب والحكمة والاعتصام بحبل الله جميعا، يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما . [ ص: 74 ]
وقد روى الإمام أحمد وغيرهما عن والترمذي أم سلمة علي وفاطمة والحسن رضي الله عنهم، فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". والحسين أدار النبي - صلى الله عليه وسلم - كساءه على أن هذه الآية لما نزلت
وسنته تفسر كتاب الله وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه، فلما قال: -مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه-علمنا أن أزواجه وإن كن من أهل بيته كما دل عليه القرآن، فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته، لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر. والعرب تطلق هذا البيان للاختصاص بالكمال لا للاختصاص بأصل الحكم، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هؤلاء أهل بيتي" . "ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يتفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس إلحافا"
بين بذلك أن هذا مختص بكمال المسكنة، بخلاف الطواف فإنه لا تكمل فيه المسكنة، لوجود من يعطيه أحيانا، مع أنه مسكين أيضا. ويقال: هذا هو العالم، وهذا هو العدو، وهذا هو المسلم، لمن كمل فيه ذلك، وإن شاركه غيره في ذلك وكان دونه.
ونظير هذا الحديث ما رواه في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 75 ] مسلم المدينة. مع أن سياق القرآن في قوله عن مسجد الضرار أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فقال: "مسجدي هذا" يعني مسجد لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين يقتضي أنه مسجد قباء، فإنه قد تواتر قباء: "ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟ "، فقالوا: لأننا نستنجي بالماء . لكن مسجده أحق بأن يكون مؤسسا على التقوى من مسجد أنه قال لأهل قباء، وإن كان كل منهما مؤسسا على التقوى، وهو أحق أن يقوم فيه من مسجد الضرار، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قباء كل سبت راكبا وماشيا . فكان يقوم في مسجده القيام الجامع يوم الجمعة، ثم يقوم بقباء يوم السبت، وفي كل منهما قد قام في المسجد المؤسس على التقوى. أنه كان يأتي