الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأهل الاستقامة والاعتدال يطيعون الله ورسوله بحسب الإمكان، فيتقون الله ما استطاعوا، وإذا أمرهم الرسول بأمر أتوا منه ما استطاعوا، ولا يتركون ما أمروا به لفعل غيرهم ما نهي عنه، بل كما قال تعالى: [ ص: 91 ]

يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . ولا يعاونون أحدا على معصية، ولا يزيلون المنكر بما هو أنكر منه، ولا يأمرون بالمعروف إلا بالمعروف. فهم وسط في عامة الأمور، ولهذا وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم الطائفة الناجية لما ذكر اختلاف أمته وافتراقهم .

ومن ذلك أن اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم الله فيه سبط نبيه وأحد سيدي شباب أهل الجنة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء، وكان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام. وقد روى الإمام أحمد وغيره عن فاطمة بنت الحسين -وقد كانت قد شهدت مصرع أبيها- عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهم، عن جده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت، فيحدث لها استرجاعا، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها".

فقد علم الله أن مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدد ذكرها مع تقادم العهد، فكان من محاسن الإسلام أن روى هذا الحديث صاحب المصيبة والمصاب به أولا، ولا ريب أن ذلك إنما فعله الله كرامة للحسين رضي الله عنه، ورفعا لدرجته ومنزلته عند الله، وتبليغا له منازل الشهداء، وإلحاقا له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء. ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدهما [ ص: 92 ] ولأمهما وعمهما، لأنهما ولدا في عز الإسلام، وتربيا في حجور المؤمنين، فأتم الله نعمته عليهما بالشهادة، أحدهما مسموما والآخر مقتولا، لأن الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ما لا ينالها إلا أهل البلاء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: "الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة" .

وشقي بقتله من أعان عليه أو رضي به. فالذي شرعه الله للمؤمنين عند الإصابة بالمصائب وإن عظمت أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. وقد روى الشافعي في مسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات وأصاب أهل بيته من المصيبة ما أصابهم، سمعوا قائلا يقول: يا آل بيت رسول الله! إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. فكانوا يرونه الخضر جاء يعزيهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

التالي السابق


الخدمات العلمية