[ ص: 93 ] فأما فليس من دين الإسلام، وهو أمر لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من السابقين الأولين ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من عادة أهل البيت ولا غيرهم. وقد شهد مقتل اتخاذ المآتم في المصائب واتخاذ أوقاتها مآتم أهل بيته، وشهد مقتل علي من شهده من أهل بيته، وقد مرت على ذلك سنون كثيرة وهم متمسكون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يحدثون مأتما ولا نياحة، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسوله، أو يفعلون ما لا بأس به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الحسين ، وقال: "ما كان من العين والقلب فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" ، يعني مثل قول المصاب: يا سنداه! يا ناصراه! يا عضداه! وقال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" . وقال: "إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران" . "لعن الله النائحة والمستمعة إليها"
وقد قال في تنزيله: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله [ ص: 94 ] غفور رحيم . وقد ولا يعصينك في معروف بأنها النياحة ، وتبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحالقة والصالقة . والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة. وقال فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة. وإنما جرير بن عبد الله كما السنة أن يصنع لأهل الميت طعام، لأن مصيبتهم تشغلهم، . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نعي جعفر بن أبي طالب لما استشهد بمؤتة فقال: "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد جاءهم ما يشغلهم"