[ ص: 262 ] [ ص: 263 ] مسألة في قوله تعالى: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله [ ص: 264 ] [ ص: 265 ] مسألة
في قوله عز وجل وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا الآية .
الجواب
الحمد لله. المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية النعم والمصائب، كما في قوله تعالى: وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ، وقال تعالى: إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ، إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ، وقال تعالى عن قوم فرعون: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه .
فقال تعالى: وهذه الآية نزلت في سياق الأمر بالجهاد وذم المنافقين، أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا . كانوا إذا أصابهم نصر ورزق ونحو ذلك قالوا: هذا من الله، وإذا أصابهم خوف وقحط ونحو ذلك قالوا: هذا من [ ص: 266 ] محمد بسبب الدين الذي جاء به، كما قال قوم فرعون في حق موسى، فقال الله تعالى: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، فإن محمدا إنما جاءهم بالهدى والحق، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر.
ثم قال : ما أصابك من حسنة من نصر ورزق ونحو: فمن الله وما أصابك من سيئة من خوف وجدب وغير ذلك فمن نفسك أي: بذنوبك، وكان ذلك بقضاء الله وقدره، ولكن القدر نؤمن به ولا نحتج به، فليس للعبد على الله حجة، بل لله الحجة البالغة.
ونظير هذا قوله: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ، وقوله: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون وقوله: أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم .
وفي الصحيح : وفي سيد الاستغفار أن يقول العبد: "إن الله يقول: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". رواه "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". من قال ذلك إذا أصبح موقنا به فمات من يومه دخل الجنة، ومن قاله إذا [ ص: 267 ] أمسى موقنا به فمات من ليلته دخل الجنة. . البخاري
وقوله: أي: أعترف وأقر بنعمتك، وأعترف وأقر بذنوبي. فمن قال: إنه لا يؤاخذ، أو إنه لم يذنب ولم يخطئ، أو إن من شهد الحقيقة سقط الأمر والنهي والعقاب والثواب-: فهو مشرك أكفر من اليهود والنصارى، ومن قال: إن الله لم يقدر ذلك ولم يقضه، فهو من مجوس هذه الأمة القدرية. ومن آمن بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، وعلم أن القدر يؤمن به ولا يحتج به على الله، وأنه ليس للعبد على ربه حجة، بل لله الحجة البالغة، فإذا عمل حسنة شكر الله عليها، وإذا عمل سيئة استغفر الله منها-: فهو موحد. "أبوء لك بنعمتك علي"
ومن قال: إن الحسنات والسيئات في هذه الآية المراد بها الطاعات والمعاصي، كما في قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها فهو مخطئ غالط، فإن هذا يلزم منه تناقض القرآن، فإنه قد أخبر أن كلا من عند الله، وأخبر أن الحسنة من الله والسيئة من نفسك. وأيضا فإنه قال "ما أصابك"، ولم يقل "ما أصبت"، فلو أراد أفعال العباد لقال: "ما أصبت" أو "ما كسبت" أو "ما فعلت" ونحو ذلك. ولكن أراد النعم والمصائب، وهي جميعها من عند الله، لكن النعم من إنعامه وإحسانه، والمصائب بسبب ذنوب العباد، ولهذا قال: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون . والله أعلم. أجاب به أحمد بن تيمية أيده الله تعالى.