وأما الآثار بتحليل فهي مشهورة صحيحة معروفة عند المسلمين، فكانت شبهة من اعتقد بقاء حل المتعة من هذه الجهة، ولهذا ذهب إلى ذلك طائفة من السلف من أصحاب المتعة في أول الإسلام وغيرهم، إذ كان ابن عباس أفتى بها. وقد قيل: إنه رجع عنها، وقيل: إنه إنما أفتى بها عند الضرورة، حتى روى له ابن عباس نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، كما أخرج ذلك أهل الصحيح وغيره . علي بن أبي طالب
وأما بل هو مما يعلم فساده بالضرورة من دين الإسلام، فكيف يقال: إن هذا كان بعد النسخ موجودا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جواز التطليق بغير عدد فلم يذهب إليه مسلم، وأبي بكر وعمر؟.
وأيضا ففي الحديث أن رضي الله عنه قال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أنا أنفذناه عليهم، فأنفذه عليهم. فدل ذلك على أنه أنفذ عليهم ما كانت لهم فيه أناة، فلو كان ما فعلوه هو المنسوخ المحرم لم تكن لهم أناة في شيء قد ظهر تحريمه بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع، ولم يكن إنفاذه عليهم مما يتعلق باجتهاد الأئمة. عمر
ثم ذكر في سننه حديثا ثابتا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن أبو داود كما في حديث جمع الثلاث بكلمة يكون واحدة، أبي الصهباء. [ ص: 300 ]
وذكر ما يعارضه، فقال : حدثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الرزاق ، أبنا قال: أخبرني بعض بني ابن جريج، أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: ابن عباس عبد يزيد - أبو ركانة وإخوته - أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني عني هذه الشعرة - لشعرة أخذتها من رأسها -، ففرق بيني وبينه، فأخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - حمية، فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: "أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد، وفلان منه كذا وكذا؟ ". قالوا: نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد يزيد: "طلقها"، ففعل. [ثم] قال: "راجع امرأتك أم ركانة وإخوته"، فقال: إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله، قال: "قد علمت، راجعها". وتلا يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن . طلق
قال وحديث أبو داود: نافع بن عجير وعبد الله بن علي بن يزيد ابن ركانة عن أبيه عن جده: ركانة طلق امرأته، فردها إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصح؛ لأنهم ولد الرجل، وأهله أعلم به ، إن أن ركانة إنما طلق امرأته البتة، فجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدة.
ثم روى هذا الحديث من طريق أبو داود حدثني عمي الشافعي: محمد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، [ ص: 301 ] عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة طلق امرأته. وفي لفظ: سهيمة البتة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما أردت إلا واحدة؟ " فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فطلقها الثانية في زمان والثالثة في زمان عمر، عثمان. عن ركانة بن عبد يزيد أنه طلق امرأته
ورواه أيضا أبو داود وابن ماجه في صحيحه من حديث وأبو حاتم بن حبان عن جرير بن حازم الزبير بن سعيد عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما أردت"؟ قال: واحدة، قال: "آلله"؟ قال: آلله!
قال: "هو على ما أردت". عن
ورواه : الترمذي
قال: فهو ما أردت. وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه. فقلت: يا رسول الله! إني طلقت امرأتي البتة، فقال: ما أردت بها؟ قلت: واحدة، قال: والله؟ قلت: والله!
وقال : سمعت ابن ماجه يقول: ما أشرف هذا الحديث! قال أبا الحسن الطنافسي ابن ماجه: أبو عبيد تركه ناحية، جبن عنه. [ ص: 302 ] وأحمد
قال وهذا أصح من حديث أبو داود: أن ابن جريج ركانة طلق امرأته ثلاثا؛ لأنهم أهل بيته، وهم أعلم به. وحديث رواه عن بعض بني ابن جريج أبي رافع عن عن عكرمة ابن عباس.
قلت: فجعل - رضي الله عنه - القصتين واحدة، وهو كما قال: ويرد عليه أنه في حديث أبو داود أن ابن جريج ركانة طلق امرأته ثلاثا، وليس هذا في حديث ابن جريج الذي رواه هو، وإنما فيه أن عبد يزيد - أبا ركانة وإخوته - طلق أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة، وأنها اشتكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرت أنه عنين، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين كذبها بأن أولادها يشبهونه، فدل على أنهم منه، وأنه ليس بعنين. ثم إنه أمر عبد يزيد أبا ركانة أن يطلق هذه المزنية المشتكية، وإنه أمره أن يراجع أم ركانة التي طلقها ثلاثا.
هذا هو الذي في حديث ليس في حديث ابن جريج، أن ابن جريج ركانة طلق امرأته ثلاثا. لكن قد يقال: إن القصة واحدة، وإن هذا الراوي غلط في بعض ألفاظ القصة في المطلق والمطلقة، كما يقول من يقول: إنه غلط في عدد الطلاق. وقد يقال: من قال هذا لم يكن له أن يقول في حديث أن ابن جريج ركانة طلق ثلاثا، بل هذا يبين أن قائل ذلك لم يتأمل الحديث حق التأمل، فإذا تأملهما علم أن المنقول في هذا الحديث قصة غير المنقول في الآخر، فلا المطلق المطلق، ولا المطلقة المطلقة، فإن المطلقة في هذا سهيمة امرأة ركانة، وهناك أمه; ولا لفظ التطليق لفظ التطليق. وفي هذا من تزويج عبد يزيد لامرأة مزنية، ودعواها عنته، وتكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - بشبه أولاده له، ما لا [ ص: 303 ] يمكن أن يكون في حديث ركانة، فإن ركانة لم يكن له أولاد أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدون من الصحابة، وإنما المعدود من الصحابة هو وإخوته وأبوه، كما في حديث ابن جريج.
لكن يجاب عن هذا بأن عبد يزيد أبا ركانة لم يذكره في الصحابة ولا الزبير بن بكار ولا غيرهما من المصنفين في الصحابة فيما علمنا ، بل قال ابن عبد البر في كتاب "نسب قريش وأخبارها" : وولد الزبير بن بكار هاشم بن المطلب بن عبد مناف: عبد يزيد، وأمه الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف. فولد عبد يزيد بن هاشم: ركانة وعجير وعبيد وعمير بني عبد يزيد، وأمهم العجلة بنت العجلان ونسبها إلى كنانة.
قال: وركانة بن عبد يزيد الذي صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الإسلام، وكان أشد الناس، فقال: يا محمد! إن صرعتني آمنت بك، فصرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أشهد أنك ساحر. ثم أسلم بعد، وأطعمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسين وسقا بخيبر. ونزل ركانة المدينة، ومات بها في أول خلافة . معاوية
قال: وعجير بن عبد يزيد أطعمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين وسقا . [ ص: 304 ]
قال: وولد عبيد بن عبد يزيد: السائب، أسر يوم بدر، وكان يشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
فقد بين أن ركانة وابنه كانا من الصحابة، بخلاف أبيه عبد يزيد.
وأيضا فلا يجوز أن يكون في الصحابة من يسمى بهذا الاسم، فتبين أن المطلق ركانة لا أبوه.
وإذا قال القائل: ما في حديث من قصة ابن جريج عبد يزيد أبي ركانة لا يعارضه حديث ركانة بوجه من الوجوه، [و] لم يجز دفع أحدهما بالآخر، بل يبقى النظر في رواة هذا الحديث، وهم ثقات معروفون إلا بعض بني أبي رافع، فإنه يحتاج إلى معرفتهم، فإنهم ليسوا من ولده لصلبه، إذ ولده لصلبه عبد الله وعبيد الله كاتب رضي الله عنه، وهذان قديمان لا يرويان عن عكرمة، ولا يروي عنهما ابن جريج. علي
قيل: هذا الحديث قد روي بإسناد آخر معروف الرجال، وهو يبين أن القصة واحدة، رواه أحمد وغيرهما من حديث والبيهقي عن إبراهيم بن سعد فجعل المطلق ابن إسحاق، ركانة. ورواه القاضي الحافظ من حديث أبو بكر بن أبي عاصم فقال في "كتاب الطلاق": ثنا يونس بن بكير، محمد بن الحسين، ثنا ابن ، ثنا عن يونس بن بكير محمد بن إسحاق عن عن داود بن الحصين عن عكرمة ابن عباس أبا ركانة طلق امرأته ثلاثا، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 305 ] فقال: يا رسول الله! طلقت امرأتي ثلاثا بكلمة واحدة، وإني قد وجدت عليها وجدا شديدا، فقال: "أتريد أن ترتجعها"؟ قال: قلت نعم يا رسول الله، قال: "فإنما هي واحدة". أن
وقد رواه فقال في "السنن الكبير" : وقد روى البيهقي محمد بن إسحاق عن عن داود بن الحصين عن عكرمة قال: ابن عباس وكان طلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف طلقها، قال: طلقتها ثلاثا، فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم، قال: إنما تلك واحدة، فارجعها إن شئت، فراجعها. يرى أنما الطلاق عند كل طهر، فتلك السنة التي كان عليها الناس، والتي أمر الله بها ابن عباس فطلقوهن لعدتهن .
قال أخبرناه البيهقي: أبو بكر بن الحارث، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا سلم بن عصام، ثنا عبيد الله بن سعد، ثنا عمي، ثنا أبي، عن حدثني ابن إسحاق، فذكره. داود بن الحصين،
قال وهذا الإسناد لا تقوم به حجة مع ثمانية رووا عن البيهقي: فتياه بخلاف ذلك، ومع رواية أولاد ابن عباس ركانة أن طلاق ركانة كانت واحدة.
قلت: أما المعارضة بفتيا ففيها كلام مذكور في موضع آخر . وأما حديث أولاد ابن عباس ركانة فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله، [ ص: 306 ] لكن ذكر في حديث أن المطلق البيهقي ركانة، وهو الصواب. وقد رواه في المسند من هذا الوجه فقال: ثنا أحمد سعد بن إبراهيم، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني عن داود بن الحصين، عن عكرمة مولى ابن عباس قال: ابن عباس ركانة بن عبد يزيد أخو المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، قال: فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا، قال: في مجلس واحد؟ قال: نعم، فقال: إنما تلك واحدة، فارجعها إن شئت، قال: فرجعها. فكان ابن عباس يرى أنما الطلاق عند كل طهر. طلق
وهذا الحديث خرجه في صحيحه الذي هو خير من صحيح أبو عبد الله المقدسي فقد اتفق الحاكم. يونس بن بكير عن وإبراهيم بن سعد على هذا الحديث، لكن قال أحدهما: إن المطلق ثلاثا ابن إسحاق أبو ركانة، كما في حديث وقال الآخر: إنه ابن جريج، ركانة. فإن كان المطلق أبا ركانة فلا منافاة بينه وبين حديث ركانة في البتة، وإن كان المطلق ركانة فهذه الرواية من هذين الوجهين تعارض من روى أنه قال: لم أطلق إلا واحدة. ورواة هذا الحديث مشهورون بحمل العلم، بخلاف ذاك، لكن ذاك من رواية أهل بيته.
ويعضد رواية من روى أن الطلاق كان ثلاثا حديث الذي في صحيح ابن عباس مسلم وأبي بكر. فهذا يوافق رواية أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواية ابن عباس، من وجهين عن ابن عباس يصدق أحدهما صاحبه، فإن عكرمة عن [ ص: 307 ] عكرمة أثبت من ابن عباس عبد الله بن علي بن [يزيد بن] ركانة عن أبيه عن جده. وقد قال حديث أحمد: ركانة ليس بشيء . يدخله وابن إسحاق أبو حاتم وابن خزيمة في الصحيح. وابن حزم
اعتقد أن القضية واحدة، كما اعتقدها أبو داود، ولكن ما رووه يخالف ذلك، فإما أن يكون الغلط فيما رووه، أو الغلط منهم في فهم ما رووه، ولا ريب أنهم صادقون فيما رووه رضي الله عنهم. والبيهقي
وهذا الحديث عمل به رواته، فكان يعمل به، ويقول: إن الثلاث بكلمة واحدة واحدة . وكذلك ابن إسحاق راويه عن عكرمة وروي ذلك عن ابن عباس. أيضا، كما قال ابن عباس في سننه : وروى أبو داود عن حماد بن زيد أيوب عن عن عكرمة إذا قال: أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة. قال: وروى ابن عباس إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن هذا قوله، لم يذكر عكرمة وجعله قول ابن عباس، عكرمة.