وذكر عن أبو داود من ستة أوجه أنه ابن عباس من رواية أوقع الثلاث بمن أوقعها بكلمة واحدة، مجاهد وسعيد بن جبير ومالك بن الحويرث وعطاء وعمرو بن دينار ومحمد بن إياس بن البكير. [ ص: 308 ]
وكان عطاء ونحوه يدخلون على مع العامة، وكان ابن عباس يدخل عليه مع الخاصة، وكذلك عكرمة مولاه كان من خاصته. فلهذا حمل من حمل قول طاوس على مثل فعل ابن عباس من أن هذا من العقوبات التي يجتهد فيها الأئمة، ليس شرعا لازما، وهو عقوبة لمن لم يتق الله. ولهذا كان عمر، يقول لمن يفتيه: لو اتقيت الله لجعل لك فرجا ومخرجا . ابن عباس
روى حديث وأبو داود عن حماد بن زيد أيوب عن غير واحد أن رجلا يقال له طاوس أبو الصهباء كان كثير السؤال قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر، قال ابن عباس: بلى! كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله لابن عباس وصدرا من إمارة وأبي بكر فلما رأى - يعني عمر، - الناس قد تتايعوا فيها قال: أجيزهن عليهم. عمر
ثم روى من حديث عن عن ابن علية أيوب عن عن عبد الله بن كثير قال: كنت عند مجاهد فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس وإن الله تعالى قال: ابن عباس! ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله قال: [ ص: 309 ]
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن.
قلت: لا يقال مثل هذا الكلام إلا لمن علم أن ثم فعله عامدا لفعل المحرم، فإن هذا لم يتق الله بل تعدى حدوده. أما من لم يعلم أن ذلك محرم، ولا قامت [عليه] حجة بتحريم ذلك، ولو علم أنه محرم لم يفعله، فإن هذا لا يخرج عن التقوى بذلك، ولا يقال له: إنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا، ولا يقال له: عصيت ربك. جمع الثلاث محرم،
ففي فتيا هذه ونحوها إيقاع الثلاث بمثل هذا لما تتايع الناس فيما نهوا عنه، فأجازه عليهم ابن عباس ومن روي أنه وافقه، عمر كعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم الذين أجازوا الثلاث على [ ص: 310 ] الناس المتتايعين فيما نهوا عنه من ذلك، كما وافقوا وعبد الله بن عمرو على أن حد في الخمر بثمانين لما كثر شرب الناس لها واستقلوا العقوبة بأربعين . عمر
وكان رضي الله عنه أحيانا ينفي في الخمر ويحلق الرأس فيغلظ عقوبتها بحسب الحاجة، إذ لم يكن من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها حد مقدر موقت القدر والصفة لا يزاد عليه ولا ينقص منه، كما في حد القذف، بل كان قدر العقوبة فيها وصفتها موكولة إلى اجتهاد الأئمة بحسب الحاجة، فمن أدناها أربعون بالجريد والنعال وأطراف الثياب، وهذا من أخف العقوبات قدرا وصفة، ثم أربعون بالسياط، وهذا أعلى في الصفة دون القدر، ثم ثمانون بالسياط، وهذا أعلى منهما. وهل يعاقب فيها بالقتل بعد الثالثة أو الرابعة إذا لم ينتهوا إلا بذلك؟ فيه أحاديث ونزاع ليس هذا موضعه . عمر
فحديث عبد يزيد أو ركانة مروي من هذين الوجهين، وأقل أحواله حينئذ أن يكون حسنا، فإن الحسن عند هو ما روي من وجهين ولم يعلم في رواته متهم بالكذب، ولم يعارضه ما يدل على غلطه، وهو من أحسن ما يحتج به الفقهاء. وقد يقال: هو صحيح، الترمذي وإن كان قد صحح حديث البتة فإنه يصحح حديث وابن حبان هو وغيره كابن خزيمة وابن حزم وغيرهما، [ ص: 311 ] وابن حزم وغيره يضعفون حديث البتة كما ضعفه أحمد رحمه الله. ابن إسحاق
إمام حافظ، لكن يخاف أن يدلس ويخلط الأحاديث بعضها ببعض، فإذا قال "حدثني" زالت الشبهة. وقد ذكر أن وابن إسحاق حدثه وعمل بما حدثه به. داود بن الحصين
ولا يستريب أهل العلم بالحديث أن هذا الإسناد أرجح من إسناد البتة، هذا لو انفرد، وأما مع موافقته لحديث أبي الصهباء الذي في صحيح فإن ذلك مما يؤكد الاحتجاج بذلك الحديث، ويرد على من علله بما لا يقدح في صحته، كقول من قال: إن مسلم روي عنه بخلافه، فصار حديث ابن عباس يروى عن عكرمة من وجهين، وجهالة الراوي في أحدهما كجهالة أولاد ركانة، فإنهم لا يعرفون بعلم ولا حفظ. والإسناد الآخر رجاله من مشاهير أهل العلم والفقه والصدق. وحديث ابن عباس عن طاوس الذي لا ريب في صحته موافق، فصارت الأحاديث بأن الثلاث كانت واحدة يصدق بعضها بعضا، ولم يرو أحد من أهل العلم حديثا ثابتا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم بثلاث مفرقة. ابن عباس