140 - ( فصل )
قال أبو النضر : سألت عن أبا عبد الله ؟ قال : أرى البينة هاهنا تكاذبت . يكذب شهود رجل شهود الآخر ، فاجعله في أيديهم ، ثم أقرع بينهم ، فمن وقع له العبد أخذه وحلف ، قلت : تحلفه بالله لقد باعني هذا العبد وهو يملكه ، أو أن هذا العبد لي ؟ قال : هو واحد إن شاء الله ، قلت : إلى أي شيء ذهبت في هذا ؟ قال : إلى حديث عبد في يد رجل لا يدعيه ، أقام رجل البينة : أن فلانا باع هذا العبد مني بكذا وكذا ، وهو يملكه ، وأقام الآخر البينة على أن فلانا تصدق بهذا العبد علي ، وهو يملكه ، وأقام الآخر البينة على أن فلانا وهب هذا العبد لي ، وهو يملكه ، ولم يوقتوا وقتا ، والبينة عدول كلهم ، حدثنا أبي هريرة ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر همام ، حدثنا رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبو هريرة } . قلت : هذه هي المسألة التي ذكرها إذا أكره الرجلان على اليمين أو استحباها فليستهما عليها في مختصره " ، قال : ولو كانت الدابة في يد غيرهما ، واعترف أنه لا يملكها ، وأنها لأحدهما ، لا يعرفه عينا أقرع بينهما ، فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه . الخرقي
قال في " المغني " إذا أنكرهما من الدابة في يده ، فالقول قوله مع يمينه بغير خلاف ، وإن اعترف أنه لا يملكها ، وقال : لا أعرف صاحبها عينا ، أو قال : هي لأحدكما لا أعرفه عينا أقرع بينهما ، فمن قرع صاحبه حلف أنها له ، وسلمت إليه ، لما روى { أبو هريرة } رواه أن رجلين تداعيا عينا لم يكن لواحد منهما بينة ، فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين ، أحبا أم كرها أبو داود ، ولأنهما تساويا في الدعوى لا بينة لواحد منهما ، ولا يد ، والقرعة تمييز عند التساوي ، كما لو أعتق عبيدا لا مال له غيرهم في مرض موته .
وأما إن كانت لأحدهما بينة ، فإنه يحكم له بغير خلاف ، وإن كانت لكل واحد منهما بينة : فعنه [ ص: 273 ] روايتان ، ذكرهما ، إحداهما : تسقط البينتان ، ويقرع بينهما ، كما لو لم تكن بينة . وهذا الذي ذكره أبو الخطاب ، هو ظاهر كلام القاضي ، لأنه ذكر القرعة ، ولم يفرق بين أن يكون معهما بينة أو لم يكن . الخرقي
وروي هذا عن ، ابن عمر رضي الله عنهما ، وهو قول وابن الزبير إسحاق ، ، وهو رواية عن وأبي عبيد ، وقديم قولي مالك ، وذلك لما روى الشافعي : { ابن المسيب } رواه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ، وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة ، فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في مسنده " ، ولأن البينتين حجتان تعارضتا من غير ترجيح لإحداهما على الأخرى ، فسقطتا كالخبرين . الشافعي
والرواية الثانية : تستعمل البينتان ، وفي كيفية استعمالهما روايتان : إحداهما : تقسيم العين بينهما ، وهو قول الحارث العكلي ، ، وقتادة ، وابن شبرمة وحماد ، ، وأحد قولي وأبي حنيفة لما روى الشافعي أبو موسى { } ولأنهما تساويا في دعواهما ، فتساويا في قسمته . أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير وأقام كل واحد منهما البينة أنها له ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين
والرواية الثانية : تقدم إحداهما بالقرعة ، وهو قول . وله قول رابع ، يوقف الأمر حتى يتبين ، وهو قول للشافعي ; لأنه اشتبه الأمر ، فوجب التوقف ، كالحاكم إذا لم يتضح له الحكم في القضية . أبي ثور
ولنا : الخبران ، وإن تعارض الحجتين لا يوجب التوقف كالخبرين بل إذا تعذر الترجيح أسقطناهما ، ورجعنا إلى دليل غيرهما .
قلت : قال في كتابه : هذه المسألة فيها قولان ، أحدهما يقرع بينهما ، فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق ، ثم يقضى له ، وكان الشافعي يرى ذلك ، ويرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن المسيب والكوفيون يروونه عن رضي الله عنه وحديث علي { سعيد بن المسيب } رواه اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ، فجاء كل واحد منهما بشهداء عدول على عدة واحدة ، فأسهم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم أنت تقضي بينهما ، فقضى للذي خرج له السهم أبو داود في " المراسيل " ، ويقويه ما رواه عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عروة { وسليمان بن يسار } فهذا مرسل قد روي من وجهين مختلفين ، وهو من مراسيل أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتى كل واحد منهما بشهود ، وكانوا سواء ، فأسهم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشهد له الأصول التي ذكرناها في القرعة ، والمصير إليه متعين . [ ص: 274 ] ابن المسيب
وأما ما أشار إليه عن ، فهو ما رواه علي أبو عوانة عن عن سماك حنش قال : " أتي ببغل يباع في السوق ، فقال رجل : هذا بغلي ، لم أبع ولم أهب ، ونزع على ما قاله بخمسة يشهدون ، وجاء آخر يدعيه ، وزعم أنه بغله ، وجاء بشاهدين ، فقال علي : إن فيه قضاء وصلحا ، أما الصلح : فيباع البغل ، فيقسم على سبعة أسهم ، لهذا خمسة ، ولهذا اثنان ، فإن أبيتم إلا القضاء بالحق ، فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ، ما باعه ولا وهبه فإن تشاححتما . أيكما يحلف ; أقرعت بينكما على الحلف ; فأيكما قرع حلف ; فقضى بهذا وأتى بشاهد " ، رواه علي . البيهقي
فرأى الصلح بينهم على قسمة الثمن على عدد الشهود للفصل بينهما بالقرعة . ويشهد له ما رواه من حديث البيهقي أبان عن عن قتادة خلاس عن أبي رافع عن قال : { أبي هريرة } . إذا جاء هذا بشاهد ; وهذا بشاهد ، أقرع بينهم ; عن النبي صلى الله عليه وسلم
ويشهد له أيضا : ما رواه أبو داود والنسائي من حديث وابن ماجه عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة خلاس ، عن أبي رافع ، عن { أبي هريرة } . عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجلين : اختصما إليه في متاع ، ليس لواحد منهما بينة ، فقال : استهما على اليمين
قال : والقول الآخر : أنه يقسم بينهما نصفين لتساوي حجتهما . قلت : ويشهد لهذا ما رواه الشافعي أبو داود والنسائي من حديث وابن ماجه حدثنا هدبة همام عن عن قتادة سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى { } ولكن للحديث علل ، منها : أن أن رجلين ادعيا بعيرا ، فبعث كل منهما شاهدين ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما هماما قال عن { قتادة } . فبعث كل منهما شاهدين
وقال سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى { } وهكذا رواه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير ، ليس لواحد منهما بينة ، فقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين يزيد بن زريع ومحمد بن بكر ، عن وعبد الرحيم بن سليمان سعيد ، وكذلك روي عن سعيد بن بشر عن . قتادة
وقد رواه أيضا همام عن كذلك ، فهذان وجهان عن قتادة همام في إرساله واتصاله ، والمشهور عنه : اتصاله ، وشذ عنه عبد الصمد فأرسله ، فهذان أيضا وجهان عن همام في إرساله واتصاله .
ورواه فأرسله ، قال شعبة في مسنده " : حدثنا أحمد ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، [ ص: 275 ] عن قتادة سعيد ، عن أبيه { } وكأن رواية أن رجلين اختصما إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم في دابة ، ليس لواحد منهما بينة ، فجعلها بينهما نصفين " أنه ليس لواحد منهما " أولى بالصواب ; لأن شعبة سعيد بن أبي عروبة قد تابعه عن على هذا اللفظ ، رواه عنه قتادة روح ، وسعيد بن عامر وغيرهم ، وكذلك رواه ويزيد بن زريع سعيد بن بشر عن ، فهؤلاء ثلاثة حفاظ ، أحدهم أمير المؤمنين في الحديث قتادة ، شعبة وسعيد بن أبي عروبة ، وسعيد بن بشر ، اتفقوا عن في أنه { قتادة } . فقد اضطرب حديث ليس لواحد منهما بينة أبي موسى كما ترى .
وأما حديث فلم يختلف فيه ، كما تقدم ، والذي دلت عليه السنة أن المدعيين إذا كانت أيديهما عليه سواء ، أو تساوت بينتاهما قسم بينهما نصفين ، كما في أبي هريرة
حديث عن سماك تميم بن طرفة { } . أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير ، كل واحد منهما آخذ برأسه ، فجاء كل واحد منهما بشاهدين ، فجعله بينهما نصفين
وقال أبو عوانة عن عن سماك عميم بن طرفة : أنبئت { } وهذا هو بعينه حديث أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعير ، ونزع كل واحد منهما بشاهدين ، فجعله بينهما نصفين عن أبي بردة أبي موسى .
قال الترمذي في " كتاب العلل " : سألت عن حديث محمد بن إسماعيل البخاري سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه في هذا الباب ؟ فقال : مرجع هذا الحديث إلى سماك بن حرب عن تميم .
قال : وروى البخاري أن حماد بن سلمة قال : أنا حدثت سماكا بهذا الحديث . أبا بردة
قال : وإرسال البيهقي له عن شعبة ، عن قتادة سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه في رواية غندر كالدلالة على ذلك قلت : لكن في حديث : { شعبة } ليس لواحد منهما بينة
وفي حديث { سماك } وفي لفظ : { أن كل واحد منهما نزع بشاهدين } . وقد بينا أن رواية فجاء كل واحد منهما بشاهدين كأنها أولى بالصواب ; لما قدمنا من الأدلة على ذلك . شعبة
قال : ويبعد أن يكونا قضيتين ، فلعله لما تعارضت البينتان وسقطتا قيل : { البيهقي } وقسمت بينهما بحكم اليد . ليس لواحد منهما بينة
وقال : الشافعي تميم مجهول ، يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفنا ، يعني أنه أقرع بينهما ، كما تقدم حديثه . وسعيد بن المسيب
قال : وسعيد قال ، والحديثان إذا اختلفا فالحجة في أقوى الحديثين ، وسعيد من أصح الناس مرسلا ،
والقرعة أشبه ، هذا قوله في القديم . ثم قال في الجديد : هذا مما أستخير الله فيه ، وأنا فيه واقف ، ثم قال : لا يعطى واحد منهما شيئا ، ويوقف حتى يصطلحا . [ ص: 276 ]
قلت : وقوله في القديم أصح وأولى ; لما تقدم من قوة القرعة وأدلتها ، وأن في وقف المال حتى يصطلحا تأخير الخصومة ، وتعطيل المال ، وتعريضه للتلف ولكثرة الورثة ، فالقرعة أولى الطرق للسلوك ، وأقربها إلى فصل النزاع ، وما احتج به في القديم على صحتها من أصح الأدلة ، ولهذا قال : هي أشبه . وبالجملة : فمن تأمل ما ذكرنا في القرعة تبين له : أن القول بها أولى من وقف المال أبدا ، حتى يصطلح المدعون ، وبالله التوفيق . والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا الشافعي محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .