64 - ( فصل )
الطريق الثامن ومن طرق الحكم ; : قال الله تعالى : { الحكم بالرجل الواحد والمرأتين واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } .
فإن قيل : فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدل عن الشاهدين ، وأنه لا يقضى بهما إلا عند عدم الشاهدين . قيل : القرآن لا يدل على ذلك ، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم ، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها ، فإن شهادة الرجل الواحد أقوى من شهادة المرأتين ، لأن النساء يتعذر غالبا حضورهن مجالس الحكام وحفظهن وضبطهن دون حفظ الرجال وضبطهم ، ولم يقل سبحانه : احكموا بشهادة رجلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، وقد : جعل سبحانه المرأة على النصف من الرجل في عدة أحكام
أحدها : هذا .
والثاني : في الميراث .
والثالث : في الدية .
والرابع : في العقيقة .
والخامس : في العتق ، كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } . من أعتق امرأ مسلما أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار و ومن أعتق [ ص: 127 ] امرأتين مسلمتين أعتق الله بكل عضو منهما عضوا من النار
وقوله تعالى : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ، فيه دليل على أن لم يرجع إلى قوله حتى يذكرها وليس له أن يقلده ، فإنه سبحانه قال : { الشاهد إذا نسي شهادته فذكره بها غيره فتذكر إحداهما الأخرى } ولم يقل : فتخبرها ، وفيها قراءتان : التثقيل والتخفيف ، والصحيح : أنهما بمعنى واحد من " الذكر " وأبعد ممن قال : فيجعلها ذكرا ، لفظا ومعنى ، فإنه سبحانه جعل ذلك علة للضلال الذي هو ضد الذكر ، فإذا ضلت أو نسيت ذكرتها الأخرى فذكرت ، وقوله : { أن تضل } تقديره عند الكوفيين : لئلا تضل إحداهما ، ويطردون ذلك في كل ما جاء من هذا ، كقوله : { يبين الله لكم أن تضلوا } ونحوه . ويرد عليهم نصب قوله : { فتذكر إحداهما الأخرى } إذ يكون تقديره : لئلا تضل ، ولئلا تذكر . وقدره البصريون بمصدر محذوف ، وهو الإرادة والكراهة والحذر ونحوها ، فقالوا : يبين الله لكم أن تضلوا ، أي حذر أن تضلوا ، وكراهة أن تضلوا ونحوه . ويشكل عليهم هذا التقدير في قوله : { أن تضل إحداهما } فإنهم إن قدروه كراهة أن تضل إحداهما : كان حكم المعطوف عليه - وهو فتذكر - حكمه ، فيكون مكروها ، وإن قدروها ، إرادة أن تضل إحداهما كان الضلال مرادا . والجواب عن هذا : أنه كلام محمول على معناه ، والتقدير : أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ، وهذا مراد قطعا ، والله أعلم .
65 - ( فصل )
قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى : قوله تعالى : { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ، فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت ، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة ، وهو النسيان وعدم الضبط ، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " وأما نقصان [ ص: 128 ] عقلهن : فشهادة امرأتين بشهادة رجل " ، فبين أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين ، فعلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال ، وإنما عقلها ينقص عنه ، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة ، لم تكن فيه على نصف رجل ، وما تقبل فيها شهادتهن منفردات ، إنما هي أشياء تراها بعينها ، أو تلمسها بيدها ، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل ، كالولادة والاستهلال ، والارتضاع ، والحيض ، والعيوب تحت الثياب ، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة ولا تحتاج معرفته إلى إعمال العقل ، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره ، فإن هذه معان معقولة ، ويطول العهد بها في الجملة .
66 - ( فصل )
إذا تقرر هذا ، فإنه تقبل شهادة الرجل والمرأتين في كل موضع تقبل فيه شهادة الرجل ويمين الطالب .
وقال عطاء : تقبل وحماد بن أبي سليمان ، ويقضى بها عندنا في النكاح والعتاق ، على إحدى الروايتين شهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص
وروي ذلك عن ، جابر بن زيد ، وإياس بن معاوية والشعبي ، وأصحاب الرأي ، وكذلك في الجنايات الموجبة للمال على إحدى الروايتين . والثوري
قال في " المحرر " : من : لم يثبت به قود ولا مال ، وعنه يثبت المال إذا كان المجني عليه عبدا ، نقلها أتى برجل وامرأتين ، أو بشاهد ويمين فيما يوجب القود ابن منصور ، ومن أتى بذلك في سرقة ثبت له المال دون القطع . ا هـ .
وقال أبو بكر : لا يثبت مطلقا . إذا ادعاه الرجل ، فإن ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان ، والفرق بينهما : أنه إذا كان المدعي هو الزوج فهو مدع للمال ، وهو يثبت بشاهد وامرأتين ، وإذا كانت هي المدعية ، فهي مدعية لفسخ النكاح وتحريمها عليه ، ولا يثبت إلا بشاهدين ، ونص ويقضى بالشاهد والمرأتين في الخلع في رواية الجماعة على أنه لا تجوز أحمد ، وقال في الوكالة : إن كانت مطالبة . شهادة النساء في النكاح والطلاق