94 - ( فصل ) 
الطريق السادس والعشرون الحكم بالقافة    : 
وقد دلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل خلفائه الراشدين والصحابة من بعدهم ، منهم  عمر بن الخطاب   [ ص: 182 ]  وعلي بن أبي طالب   وأبو موسى الأشعري  ،  وابن عباس  ،  وأنس بن مالك  رضي الله عنهم ، ولا مخالف لهم في الصحابة ، وقال بها من التابعين :  سعيد بن المسيب  ،  وعطاء بن أبي رباح  ، والزهري  ،  وإياس بن معاوية  ،  وقتادة  ، وكعب بن سوار  ، ومن تابعي التابعين :  الليث بن سعد  ،  ومالك بن أنس  ، وأصحابه ، وممن بعدهم :  الشافعي  وأصحابه ، وإسحاق  ،  وأبو ثور  ، وأهل الظاهر كلهم . 
وبالجملة : فهذا قول جمهور الأمة . 
وخالفهم في ذلك  أبو حنيفة  وأصحابه ، وقالوا : العمل بها تعويل على مجرد الشبه ، وقد يقع بين الأجانب ، وينتفي بين الأقارب . وقد دلت على اعتبارها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت  عائشة  رضي الله عنها : { دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور ، تبرق أسارير وجهه ، فقال : أي  عائشة  ، ألم تري أن مجززا المدلجي  دخل ، فرأى  أسامة  وزيدا  ، وعليهما قطيفة ، قد غطيا رءوسهما ، وبدت أقدامهما ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض   } وفي لفظ { دخل قائف والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ،  وأسامة بن زيد  وزيد بن حارثة  مضطجعان ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ، فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر به  عائشة    } متفق عليهما ، وذلك يدل على أن إلحاق القافة يفيد النسب ، لسرور النبي صلى الله عليه وسلم به ، وهو لا يسر بباطل . 
فإن قيل : النسب كان ثابتا بالفراش ، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بموافقة قول القائف للفراش ، لا أنه أثبت النسب بقوله . 
قيل : نعم ، النسب كان ثابتا بالفراش ، وكان الناس يقدحون في نسبه ، لكونه أسود وأبوه أبيض ، فلما شهد القائف بأن تلك الأقدام بعضها من بعض سر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الشهادة التي أزالت التهمة . حتى برقت أسارير وجهه من السرور . 
ومن لا يعتبر القافة يقول : هي من أحكام الجاهلية ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسر لها ، بل كانت أكره شيء إليه ، ولو كانت باطلة لم يقل  لعائشة    : { ألم تري أن مجززا المدلجي  قال كذا وكذا ؟   } فإن هذا إقرار منه ، ورضا بقوله ، ولو كانت القافة باطلة : لم يقر عليها ، ولم يرض بها ، وقد ثبت  [ ص: 183 ]   { في قصة العرنيين  أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في طلبهم قافة ، فأتى بهم   } رواه أبو داود  بإسناد صحيح ، فدل على اعتبار القافة والاعتماد عليها في الجملة . فاستدل بأثر الأقدام على المطلوبين . وذلك دليل حسي على اتحاد الأصل والفرع ، فإن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بكون الولد نسخة أبيه . 
وقد ذكر  عبد الرزاق  عن  معمر  عن الزهري    . 
قال : أخبرني عروة    : " أن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه دعا القافة في رجلين اشتركا في الوقوع على امرأة في طهر واحد . وادعيا ولدها  فألحقته القافة بأحدهما " . 
قال الزهري    : أخذ  عمر بن الخطاب  ومن بعده بنظر القافة في مثل هذا . وإسناده صحيح متصل فقد لقي عروة   عمر    . واعتمر معه 
. وروى  شعبة  عن توبة العنبري  عن الشعبي  عن  ابن عمر  ، قال : اشترك رجلان في طهر امرأة . فولدت . فدعا  عمر  القافة . فقالوا : قد أخذ الشبه منهما جميعا . فجعله  عمر  بينهما " . وهذا صحيح أيضا . 
وروى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب  عن أبيه قال : " كنت جالسا عند  عمر بن الخطاب  ، فجاءه رجلان يختصمان في غلام ، كلاهما يدعي أنه ابنه ، فقال  عمر    : ادعوا لي أخا بني المصطلق  ، فجاء ، وأنا جالس ، فقال : انظر : ابن أيهما تراه ؟ فقال : قد اشتركا فيه جميعا ، فقال  عمر    : لقد ذهب بك بصرك المذاهب ، وقام فضربه بالدرة ، ثم دعا أم الغلام - والرجلان جالسان ، والمصطلقي جالس - فقال لها  عمر    : ابن أيهما هو ؟ قالت : كنت لهذا ، فكان يطؤني ، ثم يمسكني حتى يستمر بي حملي ، ثم يرسلني حتى ولدت منه أولادا ، ثم أرسلني مرة ، فأهرقت الدماء ، حتى ظننت أنه لم يبق شيء ، ثم أصابني هذا ، فاستمررت حاملا ، قال : أفتدرين من أيهما هو ؟ قالت : ما أدري من أيهما هو ؟ قال : فعجب  عمر  للمصطلقي قال للغلام : خذ بيد أيهما شئت ، فأخذ بيد أحدهما واتبعه " . 
وروى  قتادة  عن  سعيد بن المسيب    - في رجلين اشتركا في طهر امرأة ، فحملت غلاما يشبههما - فرفع ذلك إلى  عمر بن الخطاب    " فدعا القافة ، فقال لهم : انظروا فنظروا ، فقالوا : نراه يشبههما ، فألحقه بهما ، وجعله يرثهما ويرثانه ، وجعله بينهما " . 
قال  قتادة    : فقلت  لسعيد بن المسيب    : لمن عصبته ؟ قال : للباقي منهما . 
وروى قابوس بن أبي ظبيان  عن أبيه عن  علي    " أن رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد ، فجاءت  [ ص: 184 ] بولد ، فدعا له  علي  رضي الله عنه القافة ، وجعله ابنهما جميعا يرثهما ويرثانه " . وروى  عبد الرزاق  عن  معمر  عن أيوب  عن  ابن سيرين  ، قال : " اختصم إلى  أبي موسى الأشعري  في ولد ادعاه دهقان ورجل من العرب ، فدعا القافة ، فنظروا إليه ، فقالوا للعربي : أنت أحب إلينا من هذا العلج ، ولكن ليس ابنك ، فخل عنه ، فإنه ابنه " . وروى  زياد بن أبي زياد    . 
قال : " انتفى  ابن عباس  من ولد له ، فدعا له ابن كلدة  القائف ، فقال : أما أنه ولده ، وادعاه  ابن عباس    " . وصح عن  قتادة  عن النضر بن أنس    : " أن  أنسا  وطئ جارية له ، فولدت جارية ، فلما حضر قال : ادعوا لها القافة ، فإن كانت منكم فألحقوها بكم " . 
وصح عن حميد    : " أن  أنسا  شك في ولد له ، فدعا له القافة " . وهذه قضايا في مظنة الشهرة ، فيكون إجماعا . 
قال  حنبل    : سمعت  أبا عبد الله  قيل له : تحكم بالقافة ؟ قال : نعم ، لم يزل الناس على ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					