103 - ( فصل )
ومن هاهنا : منع غير واحد من العلماء - وأصحابه - القسامين الذين كأبي حنيفة : أن يشتركوا ، فإنهم إذا اشتركوا - والناس يحتاجون إليهم - أغلوا عليهم الأجرة . يقسمون العقار وغيره بالأجرة
قلت : وكذلك ينبغي لوالي الحسبة : أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك ، لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم ; وكذلك وغيرهم ; على أن في شركة الشهود مبطلا آخر ; فإن عمل كل واحد منهم متميز عن عمل الآخر ، لا يمكن الاشتراك فيه ; فإن الكتابة متميزة ; والتحمل متميز ; والأداء متميز ; لا يقع في ذلك اشتراك ولا تعاون ، فبأي وجه يستحق أحدهما أجرة عمل صاحبه ؟ وهذا بخلاف الاشتراك في سائر الصنائع ، فإنه يمكن أحد الشريكين أن يعمل بعض العمل والآخر بعضه ، ولهذا إذا اختلفت الصنائع : لم تصح الشركة على أحد الوجهين ، لتعذر اشتراكهما في العمل ، [ ص: 208 ] ومن صححها نظر إلى أنهما يشتركان فيما تتم به صناعة كل واحد منهما من الحفظ والنظر إذا خرج لحاجة ، فيقع الاشتراك فيما يتم به عمل كل واحد منهما ، وإن لم يقع في عين العمل . اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم ; كالشهود والدلالين
وأما شركة الدلالين : ففيها أمر آخر ، وهو أن الدلال وكيل صاحب السلعة في بيعها ، فإذا شارك غيره في بيعها كان توكيلا له فيما وكل فيه ، فإن قلنا : ليس للوكيل أن يوكل : لم تصح الشركة ، وإن قلنا : له أن يوكل : صحت . فعلى والي الحسبة : أن يعرف هذه الأمور ، ويراعيها ، ويراعي مصالح الناس ، وهيهات هيهات ، ذهب ما هنالك .
والمقصود : أنه إذا منع القسامون ونحوهم من الشركة ، لما فيها من التواطؤ على إغلاء الأجرة ، فمنع البائعين الذين تواطئوا على ألا يبيعوا إلا بثمن مقدر أولى وأحرى . وكذلك يمنع والي الحسبة المشترين من الاشتراك في شيء لا يشتريه غيرهم ، لما في ذلك من ظلم البائع . وأيضا : فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع أو تبيعها : قد تواطئوا على أن يهضموا ما يشترونه ، فيشتروه بدون ثمن المثل ، ويبيعوا ما يبيعونه بأكثر من ثمن المثل ، ويقتسموا ما يشتركون فيه من الزيادة : كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان ، وقد قال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
ولا ريب أن هذا أعظم إثما وعدوانا من تلقي السلع ، وبيع الحاضر للبادي ، ومن النجش .