الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : قال في «الروض» : كانت بيوته -صلى الله عليه وسلم- تسعة ، بعضها من جريد مطين بالطين .

                                                                                                                                                                                                                              وسقفها من جريد وبعضها من حجارة مرصوصة بعضها على بعض ، وسقفها من جريد النخل .

                                                                                                                                                                                                                              قال السيد : ظاهر ما نقله ابن الجوزي عن محمد بن عمر يخالف ما تقدم من أنه -صلى الله عليه وسلم- بنى أولا بيتين لزوجتيه ، وأنه لما تزوج نساءه بنى لهن حجرا ، فظاهره أنه كان كلما أحدث زوجة أحدث لها بناء حجرة ، فيحمل ما هنا على أن حارثة كان ينزل له عن مواضع المساكن وكان -صلى الله عليه وسلم- يبنيها .

                                                                                                                                                                                                                              ونقل الزركشي عن الحافظ الذهبي أنه قال في تكميل الروض : لم يبلغنا أنه -صلى الله عليه وسلم- بنى [ ص: 52 ]

                                                                                                                                                                                                                              له تسعة أبيات حين بنى المسجد ، ولا أحسبه فعل ذلك ، إنما كان يريد بيتا واحدا لسودة أم المؤمنين ثم لم يحتج لبيت آخر حتى بنى لعائشة في شوال سنة اثنتين ، فكأنه -صلى الله عليه وسلم- بناها في أوقات مختلفة .

                                                                                                                                                                                                                              قال السيد : وهو مقتضى ما قدمناه ، غير أنه مخالف لما تقدم في بيت عائشة أنه بناه هو وبيت سودة في بيت المسجد مع بناء المسجد وهو الظاهر ، لأنها كانت حينئذ زوجة ، غير أنه لم يكن بنى بها ، فتأهب لذلك بأن بنى حجرتها ، وفيها بدأ الأذان .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في الثانية .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق وابن ماجه عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة كان يجتمع الناس للصلاة لحين وقتها بغير دعوة ، فهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذي يدعون به لصلاتهم ، ثم كرهه ، فبينما هم على ذلك إذ رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، أحد بني الحارث بن الخزرج النداء . . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها ولد محمد بن مسلمة -رضي الله تعالى عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وورث بعضهم بين بعض حتى نزلت : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [الأحزاب - 6] بعد مقدمه بثمانية أشهر كذا في العيون .

                                                                                                                                                                                                                              ونقل القطب الحلبي عن أبي عمر أنها بعد خمسة أشهر ، ونقل في الإشارة عنه ما في العيون .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها رمى سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- بسهم في غزوة ودان ، وكان أول سهم رمي به في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : مات أسعد بن زرارة -رضي الله تعالى عنه- والمسجد يبنى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الجوزي في الثانية : فكان أول من مات من المسلمين ودفن بالبقيع ، وكان أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة على قومه من بني النجار ، وقد شهد العقبات الثلاث ، وكان أول من بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة الثانية في قول ، وكان شابا ، وهو أول من جمع بالمدينة في بقيع الخصاب في حرم البيت ، ولما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن إسحاق : بئس الميت أبي أمامة ، ليهود ومنافقي العرب! يقولون : لو كان محمد نبيا لم يمت صاحبه ، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن كثير : وهذا يقتضي أنه أول من مات بعد مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد زعم أبو الحسن بن الأثير : أنه مات في شوال بعد مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبعة أشهر . والله أعلم . [ ص: 53 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن جرير في «التاريخ» : كان أول من توفي بعد مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة من المسلمين فيما ذكر صاحب منزله كلثوم بن الهدم ، لم يلبث بعد مقدمه إلا يسيرا حتى مات .

                                                                                                                                                                                                                              ثم توفي بعده أسعد بن زرارة ، وكانت وفاته في سنة مقدمه قبل أن يفرغ من بناء المسجد بالذبحة والشهقة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كوى أسعد بن زرارة من الشوكة ، رجاله ثقات .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق عن عامر بن عمر بن قتادة أن بني النجار سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقيم لهم نقيبا بعد أبي أمامة أسعد بن زرارة فقال : «أنتم أخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم»

                                                                                                                                                                                                                              وكره أن يختص بها بعضهم دون بعض فكان من فضيلة بني النجار الذي يعتدون به على قومهم إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن الأثير وصدقهم ابن كثير ، وهذا يرد قول أبي نعيم وابن منده في قولهما إن أسعد بن زرارة كان نقيبا لبني ساعدة ، إنما كان لبني النجار . وفيها : مات عثمان بن مظعون -رضي الله تعالى عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في الثانية بعد مشهده بدرا ، فكان أول من دفن في البقيع من المهاجرين كلثوم بن الهدم -رضي الله تعالى عنه- والبراء بن معرور قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم - وأوصى أن يوجه إلى الكعبة ، وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قبره ، والوليد بن المغيرة بمكة ، والعاص بن وائل بمكة ، وأبو أحيحة بالطائف ، الثلاثة ماتوا على شركهم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : ولد عبد الله بن الزبير في شوال سنة الهجرة ، وصححه ابن كثير .

                                                                                                                                                                                                                              قال الذهبي : إنه ولد في الثانية ، وعلى الأول فهو أول مولود ولد بالإسلام بالمدينة بعد الهجرة ، وكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حنكه بتمرة ، ثم دعا له .

                                                                                                                                                                                                                              كما قالت أمه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنها- وفيه -أي الحديث- أنها حملت بعبد الله بن الزبير ، أي : بمكة قالت : فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة . فنزلت بقباء ، فولدته ثم أتيت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعه في حجره ، ثم دعا بتمرة فمضغها ، ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم حنكه بتمرة ، ثم دعا له وبرك عليه ، فكان أول مولود ولد في الإسلام عبد الله بن الزبير . رواه البخاري ، وقالت أختها عائشة -رضي الله تعالى عنها- : أول مولود في الإسلام عبد الله بن الزبير . [ ص: 54 ]

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الواقدي وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث مع عبد الله بن أريقط لما رجع إلى مكة زيد بن حارثة وأبا رافع ليأتوا بعياله وعيال أبي بكر فقدموا بهم إثر هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسماء حامل متم . أي : مقرب قد دنا وضعها لولدها ، فلما ولدته كبر المسلمون تكبيرة عظيمة فرحا بمولده؛ لأنهم كانوا قد بلغهم عن اليهود أنهم سحروهم حتى لا يولد لهم بعد هجرتهم ولد ، فأكذب الله اليهود مع هذا ، فزعم الأسود أنه ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جده وزعموا أن النعمان ولد قبل ابن الزبير بستة أشهر على رأس أربعة عشر شهرا ، وما تقدم من الأحاديث الصحيحة يرد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها جاءت أم سليم بأنس ليخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن الأنصار كانوا يتقربون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهدايا رجالهم ونساؤهم فكانت أم سليم تتأسف على ذلك ، وما كان لها شيء ، فجاءت بابنها أنس وقالت : يخدمك يا رسول الله ، قاله رزين .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح عن أنس : قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي ، فانطلق بي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، إن أنسا غلام كيس فليخدمك ، قال : فخدمته . . . الحديث . وقد يجمع بأنها جاءت به أولا فانطلق به أبو طلحة ثانية؛ لأنه وليه وعصبته ، وهذا غير مجيئه به لخدمته -صلى الله عليه وسلم- في غزوة خيبر كما يفهمه لفظ الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : فرضت الزكاة ، وفيها عرس بعائشة ، وقيل : في الثانية .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها أسلم عبد الله بن سلام -رضي الله تعالى عنه-[ومكث عند] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم رجع إلى أهل بيته فأسلموا وكتم إسلامه ، ثم خرج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت فإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني ، فأحب أن تدخلني بعض بيوتك ، فأدخله بعض بيوته فجاءت اليهود إليه فقال : أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا ، قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله ؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك . فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، يا معشر اليهود ، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به ، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته ، فإني أشهد أنه رسول الله ، وأومن به وأصدقه وأعرفه ، قالوا : كذبت ، أنت شرنا وابن شرنا ، وانتقصوا . قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله ، ألم أخبرك أنهم قوم بهت ، أهل غدر وكذب وفجور ، قال : فأظهرت إسلامي ، وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمتي [خالدة] ابنة الحارث فحسن إسلامها . وفيها : ولد عمرو بن عبسة الأسلمي . [ ص: 55 ]

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة السلمي -رضي الله تعالى عنه- قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية . وذلك أنها باطل ، فلقيت رجلا من أهل الكتاب من أهل تيماء فقلت : إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم إله ، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة ، لقدره ويجعل أحسنها إلها يعبده ، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلا سواه ، فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضر ، فدلني على خير من هذا . فقال : يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه ، ويدعو إلى غيرها ، فإذا رأيت ذلك فاتبعه ، فإنه يأتي بأفضل الدين ، فلم تكن لي همة منذ قال لي ذلك إلا مكة ، فآتي فأسأل هل حدث فيها حدث ؟ فيقال : لا ، ثم قدمت مرة فسألت فقالوا : حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها ، فشددت راحلتي برحلها ، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزل بمكة فسألت عنه ، فوجدته مستخفيا ، ووجدت قريشا عليه أشداء ، فتلطفت له حتى دخلت عليه ، فسألته فقلت : أي شيء أنت ؟ قال : نبي قلت : ومن أرسلك ؟ قال : الله . قلت : وبما أرسلك ؟ قال : بعبادة الله وحده لا شريك له ، وبحقن الدماء ، وبكسر الأوثان ، وصلة الرحم ، وأمان السبيل . فقلت : نعم ما أرسلت به ، قد آمنت بك وصدقتك ، أتأمرني أن أمكث معك ، أو أنصرف ؟ فقال : ألا ترى إلى كراهة الناس ما جئت به فلا تستطيع أن تمكث ، كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني ، فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه ، فقدمت المدينة فقلت : يا نبي الله ، أتعرفني ؟ قال : نعم ، أنت السلمي الذي أتيتني بمكة . [فسألتني عن كذا وكذا فقلت لك كذا وكذا ، فاغتنمت ذلك المجلس وعلمت أن لا يكون الدهر أفرغ قلبا لي منه في ذلك المجلس ، فقلت : يا نبي الله ، أي الساعات أسمع قال :

                                                                                                                                                                                                                              الثلث الآخر؛ فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تطلع الشمس ، فإذا رأيتها طلعت حمراء كأنها الجحفة ، فأقصر عنها ، فإنها تطلع بين قرني شيطان ، فيصلي لها الكفار ، فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فإن الصلاة مشهودة مقبولة ، حتى يساوي الرجل ظله فأقصر عنها ، فإنها حينئذ تسجر جهنم ، فإذا فاء الفيء فصل ، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تغرب الشمس ، فإذا رأيتها غربت حمراء كأنها الجحفة فأقصر ، ثم ذكر الوضوء فقال : إذا توضأت فغسلت يديك ووجهك ورجليك ، فإن جلست كان ذلك لك طهورا ، وإن قمت فصليت وذكرت ربك بما هو أهله انصرفت من صلاتك كهيئتك يوم ولدتك أمك من الخطايا] .


                                                                                                                                                                                                                              النوع الخامس : في حوادث السنة الثانية

                                                                                                                                                                                                                              وفيها وفاة رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجة عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              قال النووي : في ذي الحجة ، لكن ذكر أهل السير ما يقتضي أن وفاتها كانت في رمضان منها . [ ص: 56 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفيها تحويل القبلة .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والستة وأبو داود في «ناسخه» وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وابن حبان والبيهقي عن البراء بن عازب ، وابن إسحاق وابن أبي شيبة وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في «ناسخه» والطبراني وابن المنذر عن ابن عباس ، وأبو داود في «سننه» عن أبي العالية ، ويحيى بن الحسين بن جعفر العبيدي في أخبار المدينة ، عن رافع بن خديج عن ابن عمر ويحيى عن عثمان بن محمد بن الأخفش ، والبيهقي عن الزهري ، والإمام مالك وأبو داود في ناسخه ، والإمام مالك والشيخان وأبو داود في سننه والنسائي ، وابن جرير عن سعيد بن المسيب وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة -رضي الله تعالى عنه- أن أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ، ولما هاجر إلى المدينة كان أكثر أهلها اليهود ، أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي نحو بيت المقدس ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى بالمدينة إلى بيت المقدس ستة عشر ، وعند الزهري : تسعة عشر ، وعند معاذ على رأس ثلاثة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا كذا بالشك في حديث البراء ، وقال لجبريل : وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها ، فقال جبريل : إنما أنا عبد مثلك لا أملك لك شيئا إلا ما أمرت به فادع ربك وسله ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله ويكثر النظر إلى السماء ، فينظر أمر الله ، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرا أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة ، فصنعت له طعاما ، وحانت صلاة الظهر ، فلما صلى ركعتين نزل جبريل ، فأشار إليه أن صل إلى البيت ، وصلى جبريل إلى البيت فاستدار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الكعبة ، واستقبل الميزاب فهي القبلة التي أنزل الله تعالى فيها : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها [البقرة 144] ، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين ، وكان الظهر يومئذ أربعا فصلي منها ثنتان إلى بيت المقدس وثنتان إلى الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : فصرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا في صلاة الظهر في الركعتين الأخيرتين ، فنزل جبريل فأشار إليه أن صل إلى البيت ، وصلى جبريل إلى البيت فاستدار .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : أن أول صلاة صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن كان صلى معه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : هو عباد بن بشر ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال : أشهد بالله [ ص: 57 ] لقد صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل البيت فاستداروا .

                                                                                                                                                                                                                              قال رافع بن خديج : وأتاني آت ونحن نصلي في بني عبد الأشهل فقال : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمر أن يوجه إلى الكعبة فأدارنا إمامنا إلى الكعبة ، ودرنا معه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عمر : بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك ، فقال المنافقون : حن محمد إلى أرضه ، وقال المشركون : أراد محمد أن يجعلنا قبلة له ووسيلة ، وعرف أن ديننا أهدى من دينه ، وقالت اليهود للمؤمنين : ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب والأنبياء إن أنتم إلا تفتنون ، وقال المؤمنون : [فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت] .

                                                                                                                                                                                                                              وأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف ، والربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فقالوا : يا محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها ، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، فارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ، وإنما يريدون فتنة ، فأنزل الله تعالى : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها إلى قوله : فلا تكونن من الممترين [البقرة 147] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية