الباب الخامس عشر في وصيته- صلى الله عليه وسلم- الأنصار عند موته
روى البخاري عن والبيهقي - رضي الله تعالى عنهما- ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس مثل الملح في الطعام ، فمن ولى منكم أمرا يضر به قوما وينفع به آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئتهم» وكان آخر مجلس جلسه .
وروى عن البيهقي أبي أيوب بن بشير أحد ، فاستغفر لهم ودعا لهم ، ثم قال : «يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون والأنصار على هيئتها لا تزيد ، وإنهم عيبتي التي أويت إليها ، فأكرموا كريمهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم» . أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه الذي توفي فيه فجلس على المنبر فكان أول ما ذكره بعد حمد الله تعالى والثناء عليه ذكر أصحاب
وروى البخاري وسيف بن عمر في «الفتوح» عن - رضي الله تعالى عنه- أن أنس أبا بكر كانا يوما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقالا : ما يبكيكم قالوا : ذكرنا مجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منا ، فدخل أحدهما على النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك- وعند وعمر سيف- أن الأنصار لما رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يزداد وجعا طافوا بالمسجد ، فدخل فأعلم النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكانهم وإشفاقهم ثم دخل العباس الفضل فأعلمه بمثل ذلك ثم دخل عليه كذلك ، وخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- ، زاد علي بن أبي طالب سيف : «متوكئا على علي والفضل أمامهم قد عصب على رأسه حاشية برد- زاد والعباس ، سيف : - يخط الأرض برجله فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم- زاد سيف- أنه جلس على أسفل مرقاة منه ، وثار الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه- زاد سيف- فقال : أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم قبلكم فمن بعث إليكم فأخلد فيكم ، ألا إني لاحق بربي وإنكم لاحقون به ، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصي المهاجرين فيما بينهم ، فإن الله تعالى يقول : والعصر إن الإنسان لفي خسر [العصر : 1 ، 2] إلى آخرها ، وإن الأمور تجري بإذن الله تعالى ولا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد ومن غالب الله غلبه ومن خادع الله خدعه فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم [محمد : 22] انتهى . أوصيكم بالأنصار- وزاد سيف- خيرا فإنهم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلكم ، ألم يشاطروكم في الثمار ، ألم يوسعوا لكم في الديار ، ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم خصاصة ، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم- زاد سيف- ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل [ ص: 253 ] من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وفي لفظ : فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئتهم .
- زاد سيف- ولا تستأثروا عليهم ، ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي ألا وإن موعدكم الحوض فمن أحب أن يرده غدا فليكفف لسانه ويده ألا فيما ينبغي يا أيها الناس إن الذنوب تغير النعم وتبدل القسم ، فإذا بر الناس برهم وإذا فجر الناس عقهم .
في . بيان غريب ما سبق
دسما : بدال فسين مهملتين فميم أي : سوداء الملحفة .
كرشي وعيبتي قال الحافظ : أي بطانتي وخاصتي قال القزاز : ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه ، ويقال : كرش منثورة أي عيال كثيرة ، والعيبة بفتح المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده ، يريد أنهم موضع سره وأمانته ، قال هذا من كلامه- صلى الله عليه وسلم- الموجز الذي لم يسبق إليه وقال غيره الكرش بمنزلة المعدة للإنسان والعيبة : مستودع الثياب ، والأول أمر باطن ، والثاني أمر ظاهر ، فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة ، والأول أولى وكل من الأمرين مستودع لما يخص فيه] . ابن دريد :