الباب السابع في الكلام على المقام المحمود ، والكلام على بقية شفاعته- صلى الله عليه وسلم-
قال الله عز وجل : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء : 79] أجمع المفسرون على أن «عسى» من الله واجب؛ لأن «عسى» تفيد الإطماع ، والله أعظم من أن يطمع أحدا ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه .
قال الحافظ : الجمهور على أن الشفاعة ، وبالغ المراد بالمقام المحمود الواحدي ، فنقل فيه الإجماع ، ولكنه أشار إلى ما جاء عن وزيفه . مجاهد
وقال : قال أكثر أهل التأويل : المقام المحمود الذي يقومه النبي- صلى الله عليه وسلم- ليريحهم من كرب الموقف ، وفي الأحاديث تصريح بذلك؛ فروى ابن جرير ابن خزيمة والطبراني بسند صحيح قال : « وابن جرير » . يشفعه الله في أمته فهو المقام المحمود
وروى الإمام أحمد وابن حبان وصححاه عن والحاكم - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : كعب بن مالك » . «يبعث الله الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ويكسوني ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود
وروى الإمام عن أحمد - رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في الآية ، قال : أبي هريرة هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .
وروى ابن جرير من طرق عن والطبراني - رضي الله تعالى عنهما- قال : « المقام المحمود الشفاعة » . ابن عباس
وروى الإمام أحمد وحسنه والترمذي عن وابن جرير - رضي الله تعالى عنه- قال : أبي هريرة . سئل عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «هي الشفاعة»
وروى عن ابن جرير في الآية قال : المقام المحمود الشفاعة . مجاهد
وروى مسلم وابن حبان والحاكم عن وابن جرير رفعه « كعب بن مالك » . أكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود
وروى عن البخاري - رضي الله تعالى عنهما- قال : ابن عمر . «سمع [ ص: 463 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول : لست بصاحب ذلك ، ثم موسى فيقول كذلك ، ثم بمحمد فيشفع ، فيقضي الله بين الخلق ، فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة ، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم
وقد تقدم في الباب قبله الكلام على الشفاعة العظمى وبقي الكلام على بقية الشفاعات .
فالثانية :
الشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب .
ودليله
قوله تعالى في جواب قوله- صلى الله عليه وسلم- أمتي أمتي : أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن .
قال الحافظ : كذا قيل ، ويظهر إلى أن دليله سؤاله- صلى الله عليه وسلم- الزيادة على السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب .
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن والبيهقي - رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : أبي هريرة . سألت ربي- عز وجل- فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر لا حساب عليهم؛ فاستزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألفا
وروى الطبراني بسند فيه ضعف عن والبيهقي عمرو بن حزم الأنصاري - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : . «إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ، وإني سألت ربي في هذه الثلاثة الأيام المزيد ، فوجدت ربي ماجدا كريما ، فأعطاني مع كل واحدة من السبعين ألفا سبعين ألفا»
وروى وحسنه الترمذي والطبراني والضياء وصححاه عن وابن حبان - رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : « أبي أمامة » . وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب ، مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي
وروى الطبراني نحوه عن وابن أبي عاصم أبي سعيد الأنماري فحسبنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبلغ أربعة آلاف ألف وتسعمائة ألف .
قال الحافظ : يعني من عد الحثيات .
وروى الإمام أحمد بسند فيه ضعف عن وأبو يعلى - رضي الله تعالى [ ص: 464 ] عنه- نحو حديث أبي بكر الصديق بلفظ : أبي هريرة والأحاديث في ذلك شهيرة . فاستزدته فزادني مع كل واحد سبعين ألفا ،
الثالثة :
في أناس حوسبوا واستحقوا العذاب أن لا يعذبوا ، وذلك ما رواه الطبراني وابن أبي الدنيا وصححه والحاكم ، عن والبيهقي - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « ابن عباس . يوضع للأنبياء منابر من نور يجلسون عليها ، ويبقى منبري لا أجلس عليه أو قال : لا أقعد عليه ، قائم بين يدي ربي منتصبا مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي فأقول : يا رب ، أمتي أمتي ، فيقول الله تبارك وتعالى : وما تريد أن أصنع بأمتك ؟ فأقول : يا رب ، عجل حسابهم ، فيدعى بهم ، فيحاسبون ، فمنهم من يدخل الجنة برحمته ، ومنهم من يدخل بشفاعتي ، فما أزال أشفع حتى أعطى صكاكا برجال قد بعث بهم إلى النار حتى إن مالكا خازن النار ليقول : يا محمد ، ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة
الرابعة :
في والأدلة على ذلك كثيرة شهيرة في الصحيحين وغيرهما ، ولا عبرة بإنكار إخراج ناس من المذنبين دخلوا النار ، المعتزلة لها .
الخامسة :
في ذكرها القاضي رفع درجات ناس في الجنة والنووي واستدل لها بما رواه عن مسلم - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « أنس » . أنا أول شفيع في الجنة
السادسة :
في أطفال البشر .
وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح وأبو يعلى في الإفراد والدارقطني عن والضياء - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « أنس » ، سألت ربي اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم
قال : هم الأطفال؛ لأن أعمالهم كالسهو واللعب من غير تقدم عقد ولا عزم . أبو عمر
وروى عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « أبو نعيم سألت ربي أن يتجاوز لي عن أطفال المشركين فتجاوز عنهم وأدخلهم الجنة » . [ ص: 465 ]