قال ألقها يا موسى : لما أراد الله تعالى أن يدربه في تلقي النبوة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا فألقاها قوله تعالى : موسى فقلب الله أوصافها وأعراضها . وكانت عصا ذات شعبتين فصارت الشعبتان لها فما وصارت حية تسعى أي تنتقل ، وتمشي وتلتقم الحجارة فلما رآها موسى - عليه السلام - رأى عبرة ف ( ولى مدبرا ولم يعقب ) فقال الله له : خذها ولا تخف وذلك أنه ( أوجس في نفسه خيفة ) أي لحقه ما يلحق البشر . وروي أن موسى تناولها بكمي جبته فنهي عن ذلك ، فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة ، وهي سيرتها الأولى ، وإنما أظهر له هذه الآية لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون . ويقال : إن العصا بعد ذلك كانت تماشيه وتحادثه ويعلق عليها أحماله ، وتضيء له الشعبتان بالليل كالشمع ؛ وإذا أراد الاستقاء انقلبت الشعبتان كالدلو وإذا اشتهى ثمرة ركزها في الأرض فأثمرت تلك الثمرة . وقيل إنها كانت من آس الجنة . وقيل : أتاه جبريل بها . وقيل : ملك . وقيل قال له شعيب : خذ عصا من ذلك البيت فوقعت بيده تلك العصا ، وكانت عصا آدم - عليه السلام - هبط بها من الجنة . والله أعلم .
فإذا هي حية تسعى قوله تعالى : النحاس : ويجوز ( حية ) يقال : خرجت فإذا زيد جالس وجالسا . والوقف ( حيه ) بالهاء . والسعي المشي بسرعة وخفة . وعن ابن عباس : انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع الصخر والشجر ، فلما رآه يبتلع كل شيء خافه ونفر منه . وعن بعضهم : إنما خاف منه لأنه عرف ما لقي آدم منها . وقيل : لما قال له ربه لا تخف بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها . سنعيدها سيرتها الأولى [ ص: 111 ] سمعت علي بن سليمان يقول : التقدير إلى سيرتها ، مثل واختار موسى قومه قال : ويجوز أن يكون مصدرا لأن معنى سنعيدها سنسيرها .
واضمم يدك إلى جناحك يجوز في غير القرآن ضم بفتح الميم وكسرها لالتقاء الساكنين ، والفتح أجود لخفته ، والكسر على الأصل ويجوز الضم على الإتباع . ويد أصلها يدي على فعل ؛ يدل على ذلك أيد . وتصغيرها يدية . والجناح العضد ؛ قاله قوله تعالى : مجاهد . وقال : ( إلى ) بمعنى تحت . قطرب : إلى جناحك إلى جيبك ؛ ومنه قول الراجز :
أضمه للصدر والجناح
وقيل : إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائل في محل الجناح . وقيل إلى عندك . وقال مقاتل إلى بمعنى مع أي مع جناحك . تخرج بيضاء من غير سوء من غير برص نورا ساطعا ، يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءا . عن ابن عباس وغيره : فخرجت نورا مخالفة للونه . وبيضاء نصب على الحال ، ولا ينصرف لأن فيها ألفي التأنيث لا يزايلانها فكأن لزومهما علة ثانية ، فلم ينصرف في النكرة ، وخالفتا الهاء لأن الهاء تفارق الاسم . و من غير سوء من صلة بيضاء كما تقول : ابيضت من غير سوء .
آية أخرى سوى العصا . فأخرج يده من مدرعة له مصرية لها شعاع مثل شعاع الشمس يغشى البصر . وآية منصوبة على البدل من بيضاء ؛ قاله الأخفش . النحاس : وهو قول حسن . وقال الزجاج : المعنى آتيناك آية أخرى أو نؤتيك ؛ لأنه لما قال : تخرج بيضاء من غير سوء دل على أنه قد آتاه آية أخرى . لنريك من آياتنا الكبرى يريد العظمى . وكان حقه أن يقول الكبيرة وإنما قال الكبرى لوفاق رءوس الآي . وقيل : فيه إضمار ؛ معناه لنريك من آياتنا الآية الكبرى ، دليله قول ابن عباس يد موسى أكبر آياته .