قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=55هذا وإن للطاغين لشر مآب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=56جهنم يصلونها فبئس المهاد nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=57هذا فليذوقوه حميم وغساق nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=58وآخر من شكله أزواج nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=59هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=60قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=61قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=55هذا وإن للطاغين لشر مآب لما ذكر ما للمتقين ذكر ما للطاغين قال
الزجاج : هذا خبر ابتداء محذوف ، أي : الأمر هذا ، فيوقف على هذا . قال
ابن الأنباري : " هذا " وقف حسن . ثم تبتدئ " وإن للطاغين " وهم الذين كذبوا الرسل . لشر مآب : أي : منقلب يصيرون إليه . ثم بين ذلك بقوله : " جهنم يصلونها فبئس المهاد " أي بئس ما مهدوا لأنفسهم ، أو بئس الفراش لهم . ومنه مهد الصبي . وقيل : فيه حذف أي : بئس موضع المهاد . وقيل : أي : هذا الذي وصفت لهؤلاء المتقين ، ثم قال : وإن للطاغين لشر مرجع ، فيوقف على " هذا " أيضا .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=57هذا فليذوقوه حميم وغساق هذا في موضع رفع بالابتداء ، و " فليذوقوه " في موضع
[ ص: 198 ] الخبر ، ودخلت الفاء للتنبيه الذي في " هذا " فيوقف على " فليذوقوه " ويرتفع " حميم " على تقدير هذا حميم . قال
النحاس : ويجوز أن يكون المعنى : الأمر هذا ، وحميم وغساق إذا لم تجعلهما خبرا فرفعهما على معنى : هو حميم وغساق .
والفراء يرفعهما بمعنى : منه حميم ومنه غساق ، وأنشد :
حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس وغودر البقل ملوي ومحصود
وقال آخر :
لها متاع وأعوان غدون به قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا
ويجوز أن يكون " هذا " في موضع نصب بإضمار فعل يفسره " فليذوقوه " كما تقول : زيدا اضربه . والنصب في هذا أولى ، فيوقف على " فليذوقوه " وتبتدئ " حميم وغساق " على تقدير : الأمر حميم وغساق . وقراءة
أهل المدينة وأهل البصرة وبعض
الكوفيين بتخفيف السين في " وغساق " . وقرأ
يحيى بن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " وغساق " بالتشديد ، وهما لغتان بمعنى واحد في قول
الأخفش . وقيل : معناهما مختلف ، فمن خفف فهو اسم مثل عذاب وجواب وصواب ، ومن شدد قال : هو اسم فاعل نقل إلى فعال للمبالغة ، نحو ضراب وقتال ، وهو فعال من غسق يغسق فهو غساق وغاسق . قال
ابن عباس : هو الزمهرير يخوفهم ببرده . وقال
مجاهد ومقاتل : هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده . وقال غيرهما : إنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحره . وقال
عبد الله بن عمرو : هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لأنتن من في المغرب ، ولو وقع منه شيء في المغرب لأنتن من في المشرق . وقال
قتادة : هو ما يسيل من فروج الزناة ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنتن . وقال
محمد بن كعب : هو عصارة أهل النار . وهذا القول أشبه باللغة ، يقال : غسق الجرح يغسق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر ، قال الشاعر :
إذا ما تذكرت الحياة وطيبها إلي جرى دمع من الليل غاسق
أي : بارد . ويقال : ليل غاسق ; لأنه أبرد من النهار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الغساق الذي يسيل من أعينهم ودموعهم يسقونه مع الحميم . وقال
ابن زيد : الحميم دموع أعينهم ، يجمع في حياض النار فيسقونه ، والصديد الذي يخرج من جلودهم . والاختيار على هذا " وغساق " حتى يكون مثل سيال . وقال
كعب : الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حمة من عقرب وحية . وقيل : هو مأخوذ من الظلمة والسواد . والغسق أول ظلمة الليل ، وقد غسق الليل يغسق إذا
[ ص: 199 ] أظلم . وفي
الترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=831047لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا .
قلت : وهذا أشبه على الاشتقاق الأول كما بينا ، إلا أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلانه أسود مظلما ، فيصح الاشتقاقان . والله أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=58وآخر من شكله أزواج قرأ
أبو عمرو : " وأخر " جمع أخرى مثل الكبرى والكبر . الباقون : " وآخر " مفرد مذكر . وأنكر
أبو عمرو " وآخر " لقوله تعالى : " أزواج " أي : لا يخبر بواحد عن جماعة . وأنكر
عاصم الجحدري " وأخر " قال : ولو كانت " وأخر " لكان من شكلها . وكلا الردين لا يلزم ، والقراءتان صحيحتان . " وآخر " أي : وعذاب آخر سوى الحميم والغساق . " من شكله " قال
قتادة : من نحوه . قال
ابن مسعود : هو الزمهرير . وارتفع " وآخر " بالابتداء و " أزواج " مبتدأ ثان ، و " من شكله " خبره ، والجملة خبر " آخر " . ويجوز أن يكون " وآخر " مبتدأ والخبر مضمر دل عليه " هذا فليذوقوه حميم وغساق " لأن فيه دليلا على أنه لهم ، فكأنه قال : ولهم آخر ، ويكون " من شكله أزواج " صفة لآخر ، فالمبتدأ متخصص بالصفة و " أزواج " مرفوع بالظرف . ومن قرأ " وأخر " أراد : وأنواع من العذاب أخر ، ومن جمع وهو يريد الزمهرير فعلى أنه جعل الزمهرير أجناسا ، فجمع لاختلاف الأجناس . أو على أنه جعل لكل جزء منه زمهريرا ثم جمع ، كما قالوا : شابت مفارقه . أو على أنه جمع لما في الكلام من الدلالة على جواز الجمع ; لأنه جعل الزمهرير الذي هو نهاية البرد بإزاء الجمع في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=57هذا فليذوقوه حميم وغساق والضمير في شكله يجوز أن يعود على الحميم أو الغساق . أو على معنى " وآخر من شكله " ما ذكرنا ، ورفع " أخر " على قراءة الجمع بالابتداء و " من شكله " صفة له ، وفيه ذكر يعود على المبتدإ و " أزواج " خبر المبتدإ . ولا يجوز أن يحمل على تقدير : ولهم أخر ، و " من شكله " صفة لأخر ، و " أزواج " مرتفعة بالظرف كما جاز في الإفراد ; لأن الصفة لا ضمير فيها من حيث ارتفع " أزواج " مفرد ، قاله
أبو علي . و " أزواج " أي : أصناف وألوان من العذاب . وقال
يعقوب : الشكل بالفتح : المثل ، وبالكسر الدل .
[ ص: 200 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=59هذا فوج مقتحم معكم قال
ابن عباس : هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع ، قالت الخزنة للقادة : " هذا فوج " يعني : الأتباع ، والفوج : الجماعة " مقتحم معكم " أي : داخل النار معكم ، فقالت السادة : " لا مرحبا بهم " أي لا اتسعت منازلهم في النار . والرحب السعة ، ومنه رحبة المسجد وغيره . وهو في مذهب الدعاء فلذلك نصب ، قال
النابغة :
لا مرحبا بغد ولا أهلا به إن كان تفريق الأحبة في غد
قال
أبو عبيدة : العرب تقول : لا مرحبا بك ، أي : لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت .
" إنهم صالو النار " قيل : هو من قول القادة ، أي : إنهم صالو النار كما صليناها . وقيل : هو من قول الملائكة متصل بقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=59هذا فوج مقتحم معكم و
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=60قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم هو من قول الأتباع . وحكى
النقاش : أن الفوج الأول قادة المشركين ومطعموهم يوم
بدر ، والفوج الثاني أتباعهم
ببدر ، والظاهر من الآية أنها عامة في كل تابع ومتبوع .
" أنتم قدمتموه لنا " أي دعوتمونا إلى العصيان . " فبئس القرار " لنا ولكم
" قالوا " يعني الأتباع " ربنا من قدم لنا هذا " قال
الفراء : من سوغ لنا هذا وسنه ، وقال غيره : من قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى المعاصي " فزده عذابا ضعفا في النار " وعذابا بدعائه إيانا ، فصار ذلك ضعفا . وقال
ابن مسعود : معنى عذابا ضعفا في النار الحيات والأفاعي . ونظير هذه الآية قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=55هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=56جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=57هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=58وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=59هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=60قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=61قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=55هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ لَمَّا ذَكَرَ مَا لِلْمُتَّقِينَ ذَكَرَ مَا لِلطَّاغِينَ قَالَ
الزَّجَّاجُ : هَذَا خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٌ ، أَيِ : الْأَمْرُ هَذَا ، فَيُوقَفُ عَلَى هَذَا . قَالَ
ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : " هَذَا " وَقْفٌ حَسَنٌ . ثُمَّ تَبْتَدِئُ " وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ " وَهُمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ . لَشَرَّ مَآبٍ : أَيْ : مُنْقَلَبٌ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ . ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : " جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ " أَيْ بِئْسَ مَا مَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ ، أَوْ بِئْسَ الْفِرَاشُ لَهُمْ . وَمِنْهُ مَهْدُ الصَّبِيِّ . وَقِيلَ : فِيهِ حَذْفٌ أَيْ : بِئْسَ مَوْضِعُ الْمِهَادِ . وَقِيلَ : أَيْ : هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ ، ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَ مَرْجِعٍ ، فَيُوقَفُ عَلَى " هَذَا " أَيْضًا .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=57هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ هَذَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ ، وَ " فَلْيَذُوقُوهُ " فِي مَوْضِعِ
[ ص: 198 ] الْخَبَرِ ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِلتَّنْبِيهِ الَّذِي فِي " هَذَا " فَيُوقَفُ عَلَى " فَلْيَذُوقُوهُ " وَيَرْتَفِعُ " حَمِيمٌ " عَلَى تَقْدِيرِ هَذَا حَمِيمٌ . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : الْأَمْرُ هَذَا ، وَحَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ إِذَا لَمْ تَجْعَلْهُمَا خَبَرًا فَرَفْعُهُمَا عَلَى مَعْنَى : هُوَ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ .
وَالْفَرَّاءُ يَرْفَعُهُمَا بِمَعْنَى : مِنْهُ حَمِيمٌ وَمِنْهُ غَسَّاقٌ ، وَأَنْشَدَ :
حَتَّى إِذَا مَا أَضَاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ وَغُودِرَ الْبَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ
وَقَالَ آخَرُ :
لَهَا مَتَاعٌ وَأَعْوَانٌ غَدَوْنَ بِهِ قِتْبٌ وَغَرْبٌ إِذَا مَا أُفْرِغَ انْسَحَقَا
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " هَذَا " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ " فَلْيَذُوقُوهُ " كَمَا تَقُولُ : زَيْدًا اضْرِبْهُ . وَالنَّصْبُ فِي هَذَا أَوْلَى ، فَيُوقَفُ عَلَى " فَلْيَذُوقُوهُ " وَتَبْتَدِئُ " حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ " عَلَى تَقْدِيرِ : الْأَمْرُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ . وَقِرَاءَةُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضِ
الْكُوفِيِّينَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ فِي " وَغَسَّاقٌ " . وَقَرَأَ
يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " وَغَسَّاقٌ " بِالتَّشْدِيدِ ، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي قَوْلِ
الْأَخْفَشِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ ، فَمَنْ خَفَّفَ فَهُوَ اسْمٌ مِثْلُ عَذَابٍ وَجَوَابٍ وَصَوَابٍ ، وَمَنْ شَدَّدَ قَالَ : هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ نُقِلَ إِلَى فَعَّالٍ لِلْمُبَالَغَةِ ، نَحْوَ ضَرَّابٍ وَقَتَّالٍ ، وَهُوَ فَعَّالٌ مِنْ غَسَقَ يَغْسِقُ فَهُوَ غَسَّاقٌ وَغَاسِقٌ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ الزَّمْهَرِيرُ يُخَوِّفُهُمْ بِبَرْدِهِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ : هُوَ الثَّلْجُ الْبَارِدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى بَرْدُهُ . وَقَالَ غَيْرُهُمَا : إِنَّهُ يُحْرِقُ بِبَرْدِهِ كَمَا يُحْرِقُ الْحَمِيمُ بِحَرِّهِ . وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : هُوَ قَيْحٌ غَلِيظٌ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْمَشْرِقِ لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَغْرِبِ ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَغْرِبِ لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَشْرِقِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : هُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ فُرُوجِ الزُّنَاةِ وَمِنْ نَتْنِ لُحُومِ الْكَفَرَةِ وَجُلُودِهِمْ مِنَ الصَّدِيدِ وَالْقَيْحِ وَالنَّتْنِ . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : هُوَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ . وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِاللُّغَةِ ، يُقَالُ : غَسَقَ الْجُرْحُ يَغْسِقُ غَسْقًا إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ أَصْفَرُ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الْحَيَاةَ وَطِيبَهَا إِلَيَّ جَرَى دَمْعٌ مِنَ اللَّيْلِ غَاسِقُ
أَيْ : بَارِدٌ . وَيُقَالُ : لَيْلٌ غَاسِقٌ ; لِأَنَّهُ أَبْرَدُ مِنَ النَّهَارِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : الْغَسَّاقُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ أَعْيُنِهِمْ وَدُمُوعِهِمْ يُسْقَوْنَهُ مَعَ الْحَمِيمِ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الْحَمِيمُ دُمُوعُ أَعْيُنِهِمْ ، يُجْمَعُ فِي حِيَاضِ النَّارِ فَيُسْقَوْنَهُ ، وَالصَّدِيدُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جُلُودِهِمْ . وَالِاخْتِيَارُ عَلَى هَذَا " وَغَسَّاقٌ " حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ سَيَّالٍ . وَقَالَ
كَعْبٌ : الْغَسَّاقُ عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا سُمُّ كُلِّ ذِي حُمَّةٍ مِنْ عَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ . وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الظُّلْمَةِ وَالسَّوَادِ . وَالْغَسَقُ أَوَّلُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ، وَقَدْ غَسَقَ اللَّيْلِ يَغْسِقُ إِذَا
[ ص: 199 ] أَظْلَمَ . وَفِي
التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=831047لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا .
قُلْتُ : وَهَذَا أَشْبَهُ عَلَى الِاشْتِقَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا بَيَّنَّا ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْغَسَّاقُ مَعَ سَيَلَانِهِ أَسْوَدَ مُظْلِمًا ، فَيَصِحُّ الِاشْتِقَاقَانِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
nindex.php?page=treesubj&link=29009قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=58وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو : " وَأُخَرُ " جَمْعُ أُخْرَى مِثْلَ الْكُبْرَى وَالْكُبَرِ . الْبَاقُونَ : " وَآخَرُ " مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ . وَأَنْكَرَ
أَبُو عَمْرٍو " وَآخَرُ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَزْوَاجٌ " أَيْ : لَا يُخْبَرُ بِوَاحِدٍ عَنْ جَمَاعَةٍ . وَأَنْكَرَ
عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ " وَأُخَرُ " قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ " وَأُخَرَ " لَكَانَ مِنْ شَكْلِهَا . وَكِلَا الرَّدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ ، وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ . " وَآخَرُ " أَيْ : وَعَذَابٌ آخَرُ سِوَى الْحَمِيمِ وَالْغَسَّاقِ . " مِنْ شَكْلِهِ " قَالَ
قَتَادَةُ : مِنْ نَحْوِهِ . قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : هُوَ الزَّمْهَرِيرُ . وَارْتَفَعَ " وَآخَرُ " بِالِابْتِدَاءِ وَ " أَزْوَاجٌ " مُبْتَدَأٌ ثَانٍ ، وَ " مِنْ شَكْلِهِ " خَبَرُهُ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ " آخَرُ " . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " وَآخَرُ " مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مُضْمَرٌ دَلَّ عَلَيْهِ " هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ " لِأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَلَهُمْ آخَرُ ، وَيَكُونُ " مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ " صِفَةٌ لِآخَرَ ، فَالْمُبْتَدَأُ مُتَخَصِّصٌ بِالصِّفَةِ وَ " أَزْوَاجٌ " مَرْفُوعٌ بِالظَّرْفِ . وَمَنْ قَرَأَ " وَأُخَرُ " أَرَادَ : وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْعَذَابِ أُخَرُ ، وَمَنْ جَمَعَ وَهُوَ يُرِيدُ الزَّمْهَرِيرَ فَعَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِيرَ أَجْنَاسًا ، فَجُمِعَ لِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ . أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ زَمْهَرِيرًا ثُمَّ جُمِعَ ، كَمَا قَالُوا : شَابَتْ مَفَارِقُهُ . أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِيرَ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ الْبَرْدِ بِإِزَاءِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=57هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَالضَّمِيرُ فِي شَكْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْحَمِيمِ أَوِ الْغَسَّاقِ . أَوْ عَلَى مَعْنَى " وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ " مَا ذَكَرْنَا ، وَرُفِعَ " أُخَرُ " عَلَى قِرَاءَةِ الْجَمْعِ بِالِابْتِدَاءِ وَ " مِنْ شَكْلِهِ " صِفَةٌ لَهُ ، وَفِيهِ ذِكْرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَ " أَزْوَاجٌ " خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَقْدِيرِ : وَلَهُمْ أُخَرُ ، وَ " مِنْ شَكْلِهِ " صِفَةٌ لِأُخَرَ ، وَ " أَزْوَاجٌ " مُرْتَفِعَةٌ بِالظَّرْفِ كَمَا جَازَ فِي الْإِفْرَادِ ; لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا ضَمِيرَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ ارْتَفَعَ " أَزْوَاجٌ " مُفْرَدٌ ، قَالَهُ
أَبُو عَلِيٍّ . وَ " أَزْوَاجٌ " أَيْ : أَصْنَافٌ وَأَلْوَانٌ مِنَ الْعَذَابِ . وَقَالَ
يَعْقُوبُ : الشَّكْلُ بِالْفَتْحِ : الْمِثْلُ ، وَبِالْكَسْرِ الدَّلُّ .
[ ص: 200 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=59هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ أَنَّ الْقَادَةَ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَهُمُ الْأَتْبَاعُ ، قَالَتِ الْخَزَنَةُ لِلْقَادَةِ : " هَذَا فَوْجٌ " يَعْنِي : الْأَتْبَاعَ ، وَالْفَوْجُ : الْجَمَاعَةُ " مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ " أَيْ : دَاخِلٌ النَّارَ مَعَكُمْ ، فَقَالَتِ السَّادَةُ : " لَا مَرْحَبًا بِهِمْ " أَيْ لَا اتَّسَعَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي النَّارِ . وَالرَّحْبُ السَّعَةُ ، وَمِنْهُ رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ . وَهُوَ فِي مَذْهَبِ الدُّعَاءِ فَلِذَلِكَ نُصِبَ ، قَالَ
النَّابِغَةُ :
لَا مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلَا أَهْلًا بِهِ إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الْأَحِبَّةِ فِي غَدِ
قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : الْعَرَبُ تَقُولُ : لَا مَرْحَبًا بِكَ ، أَيْ : لَا رَحُبَتْ عَلَيْكَ الْأَرْضُ وَلَا اتَّسَعَتْ .
" إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ " قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلِ الْقَادَةِ ، أَيْ : إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ كَمَا صَلَيْنَاهَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=59هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=60قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَتْبَاعِ . وَحَكَى
النَّقَّاشُ : أَنَّ الْفَوْجَ الْأَوَّلَ قَادَةُ الْمُشْرِكِينَ وَمُطْعِمُوهُمْ يَوْمَ
بَدْرٍ ، وَالْفَوْجُ الثَّانِي أَتْبَاعُهُمْ
بِبَدْرٍ ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ تَابِعٍ وَمَتْبُوعٍ .
" أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا " أَيْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى الْعِصْيَانِ . " فَبِئْسَ الْقَرَارُ " لَنَا وَلَكُمْ
" قَالُوا " يَعْنِي الْأَتْبَاعَ " رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا " قَالَ
الْفَرَّاءُ : مَنْ سَوَّغَ لَنَا هَذَا وَسَنَّهُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا الْعَذَابَ بِدُعَائِهِ إِيَّانَا إِلَى الْمَعَاصِي " فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ " وَعَذَابًا بِدُعَائِهِ إِيَّانَا ، فَصَارَ ذَلِكَ ضِعْفًا . وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : مَعْنَى عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي . وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ .