( فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) : أي يفصل ، والفصل : الحكم ، أو يريهم من يدخل الجنة عيانا ، ومن يدخل النار عيانا ، قاله ، أو يكذبهم جميعا ويدخلهم النار ، أو يثيب من كان على حق ، ويعذب من كان على باطل . وكلها أقوال متقاربة . والظرفان والجار الأول معمولان لـ " يحكم " ، وفيه متعلق بيختلفون . الزجاج
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة أشياء منها : افتتاحها بحسن النداء ، وإثبات وصف الإيمان لهم ، وتنبيههم على تعلم أدب من آداب الشريعة ، بأن نهوا عن قول لفظ لإيهام ما ، إلى لفظ أنص في المقصود ، وأصرح في المطلوب . ثم ذكر ما للمخالف من العذاب الذي يذله ويهينه . ثم نبه على أن هذا الذي أمرتم به هو خير ، وأن الكفار لا يودون أن ينزل عليكم شيء من الخير . ثم ذكر أن ذلك ليس راجعا لشهواتهم ، ولا لتمنيهم ، بل ذلك أمر إلهي يختص به من يشاء ، وأنه تعالى هو صاحب الفضل الواسع . ولما كان صدر الآية فيه انتقال من لفظ إلى لفظ ، وأن الثاني صار أنص في المقصود بين أن ما يفعله الله تعالى من النسخ ، فإنما ذلك لحكمة منه ، فيأتي بأفضل مما نسخ أو بما ماثله . وأن من كان قادرا على كل شيء ، فله التصرف بما يريد من نسخ وغيره . ونبه المخاطب على علمه بقدرة الله تعالى ، وبملكه الشامل لسائر المخلوقات ، وإنما نحن ما لنا من دونه من مانع يمنعنا منه . فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ، ثم أنكر على من تعلقت إرادته بأن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سؤالا غير جائز ، كسؤالات قوم موسى له . ثم ذكر أن من آثر الكفر على الإيمان ، فقد خرج عن قصد المنهج . ثم ذكر أن الكثير من أهل الكتاب يودون ارتدادكم ، وأن الحامل لهم على ذلك الحسد . ثم أمروا بالموادعة والصفح ، وغيا ذلك بأمر الله ، فإذا أتى أمر الله ارتفع الأمر بالعفو والصفح .
ثم اختتم الآية بذكر قدرة الله تعالى على كل شيء ؛ لأن قبله وعدا بتغيير حال ، فناسب ذلك ذكر القدرة . ثم أمرهم بما يقطع عنهم تلفت أقوال الكفار ، وهي الصلاة والزكاة ، وأخبر أن ما قدمتموه من الخير فإنه لا يضيع عند الله ، بل تجدوه مذخورا لكم . ثم اختتم ذلك حيث نبه على أن ما عمل من الخير هو عند الله ، بذكر صفة البصر التي تدل على مشاهدة الأشياء ومعاينتها . ثم نعى على اليهود والنصارى من دعواهم أنهم مختصون بدخول الجنة ، وأن ذلك أكذوبة من أكاذيبهم المعروفة ، وأنهم طولبوا بإقامة البرهان على دعوى الاختصاص . ثم ذكر أن من انقاد ظاهرا وباطنا لله تعالى فله أجره وهو آمن ، فلا يخاف مما يأتي ولا يحزن على ما مضى . ثم أخذ يذكر مقالات النصارى واليهود بعضهم في بعض ، وأنها مقالة من أظهر التبرؤ مما جاءت به الرسل وأفصحت عنه الكتب المنزلة ، وذلك كله على جهة العناد ، لأنهم تالون للكتب عالمون بما انطوت عليه ، فصاروا في الحياة الدنيا على مثل حالهم في الآخرة . كما أخبر تعالى عنهم بقوله : ( يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) .
ثم ذكر أن مقالتهم تلك ، وإن كانوا عالمين ، فهي مماثلة لمقالة من لا يعلم ، ثم ختم ذلك بالوعيد الذي يتضمن الحكم وفصل الباطل من الحق ، وأنه تعالى هو المتولي ذلك ليجازيهم على كفرهم .