الأول : لم يذكر المتقدمون ل ( أو ) هذه المعاني ، بل قالوا : هي لأحد الشيئين أو الأشياء . قال ابن هشام : وهو التحقيق ، والمعاني المذكورة مستفادة من القرائن .
الثاني : قال أبو البقاء : نقيضة ( أو ) في الإباحة ، فيجب اجتناب الأمرين ، كقوله : ( أو ) في النهي ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ الإنسان : 24 ] ، فلا يجوز فعل أحدهما ، فلو جمع بينهما كان فعلا للمنهي عنه مرتين ; لأن كل واحد منهما أحدهما .
[ ص: 482 ] وقال غيره : ( أو ) في مثل هذا بمعنى الواو ، تفيد الجمع .
وقال الطيبي : الأولى أنها على بابها ، وإنما جاء التعميم فيهما من النهي الذي فيه معنى النفي ، والنكرة في سياق النفي تعم ; لأن المعنى قبل النهي : ( تطع آثما أو كفورا ) ، أي : واحدا منهما ، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا ، فالمعنى : لا تطع واحدا منهما ، فالتعميم فيهما من جهة النهي ، وهي على بابها .
الثالث : لكون مبناها على عدم التشريك عاد الضمير إلى مفرديها بالإفراد ، بخلاف الواو ، وأما قوله تعالى : إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما [ النساء : 135 ] . فقيل : إنها بمعنى الواو .
وقيل : المعنى أن يكون الخصمان غنيين أو فقيرين .
فائدة : أخرج ابن أبي حاتم عن : كل شيء في القرآن ( أو ) فهو مخير ، فإذا كان فمن لم يجد فهو الأول فالأول . ابن عباس
وأخرج البيهقي في سننه ، عن قال : كل شيء في القرآن فيه ( أو ) فللتخيير ، إلا قوله : ابن جريج أن يقتلوا أو يصلبوا [ المائدة : 33 ] ليس بمخير فيها . قال : وبهذا أقول . الشافعي
أولى : في قوله تعالى : أولى لك فأولى [ القيامة : 34 ] ، وفي قوله تعالى : فأولى لهم [ محمد : 20 ] ، قال : في الصحاح : قولهم : ( أولى لك ) كلمة تهديد ووعيد ، قال الشاعر :
فأولى له ثم أولى له
قال : فمعناه قاربه ما يهلكه ، أي : نزل به . قال الأصمعي الجوهري : ولم يقل أحد فيها أحسن مما قال . . الأصمعي
وقال قوم : هو اسم فعل مبني ، ومعناه : وليك شر بعد شر ، و ( لك ) تبيين .
وقيل : هو علم للوعيد غير مصروف ، ولذا لم ينون ، وإن محله رفع على الابتداء ولك الخبر ، ووزنه على هذا ( فعلى ) ، والألف للإلحاق وقيل : ( أفعل ) .
وقيل : معناه الويل لك ، وأنه مقلوب منه ، والأصل ( أويل ) فأخر حرف العلة ، ومنه قول الخنساء :
[ ص: 483 ]
هممت لنفسي بعض الهموم فأولى لنفسي أولى لها
وقيل : معناه : الذم لك أولى من تركه ، فحذف المبتدأ لكثرة دورانه في الكلام .
وقيل : المعنى : أنت أولى وأجدر بهذا العذاب .
وقال ثعلب : ( أولى لك ) في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك ، كأنه يقول : قد وليت الهلاك ، أو قد دانيت الهلاك ، أصله من الولي وهو القرب ، ومنه : قاتلوا الذين يلونكم [ التوبة : 123 ] ، أي : يقربون منكم .
وقال النحاس : العرب تقول : أولى لك ، أي : كدت تهلك ، وكأن تقديره : أولى لك الهلكة .