[ ص: 114 ] النوع الثامن .  
معرفة آخر ما نزل .  
فيه اختلاف ، فروى الشيخان :  عن   البراء بن عازب  ، قال : آخر آية نزلت :  يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة      [ النساء : 176 ] .  وآخر سورة نزلت   براءة     .  
وأخرج   البخاري ،  عن   ابن عباس  ، قال : آخر آية نزلت آية الربا     .  
وروى  البيهقي ،  عن  عمر  مثله ، والمراد بها قوله تعالى :  ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا      [ البقرة : 278 ] .  
وعند  أحمد   وابن ماجه  ،  عن  عمر     : من آخر ما نزل آية الربا     .  
وعند  ابن مردويه     : عن   أبي سعيد الخدري  ، قال :  خطبنا  عمر  فقال : إن من  آخر القرآن نزولا   آية الربا     .  
وأخرج   النسائي  من طريق  عكرمة ،  عن   ابن عباس  ، قال : آخر شيء نزل من القرآن :  واتقوا يوما ترجعون فيه      [ البقرة : 281 ] الآية .  
وأخرج  ابن مردويه  نحوه ، من طريق   سعيد بن جبير ،  عن   ابن عباس  بلفظ : آخر آية نزلت .  
 [ ص: 115 ] وأخرجه   ابن جرير  من طريق   العوفي  والضحاك ،  عن   ابن عباس     .  
وقال :   الفريابي  في تفسيره : حدثنا  سفيان ،  عن  الكلبي ،  عن  ابن صالح ،  عن   ابن عباس  قال : آخر آية نزلت :  واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله   الآية ، وكان بين نزولها وبين موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد وثمانون يوما     .  
وأخرج   ابن أبي حاتم  ،  عن   سعيد بن جبير  ، قال : آخر ما نزل من القرآن كله :  واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله   ، وعاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية تسع ليال ، ثم مات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول     .  
وأخرج   ابن جرير  مثله ، عن   ابن جريج     .  
وأخرج من طريق  عطية ،  عن  أبي سعيد  قال : آخر آية  واتقوا يوما ترجعون   الآية .  
وأخرج  أبو عبيد  في " الفضائل " ،  عن   ابن شهاب  قال : آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين     .  
وأخرج   ابن جرير  من طريق   ابن شهاب ،  عن   سعيد بن المسيب     : أنه بلغه أن أحدث القرآن عهدا بالعرش آية الدين     . مرسل صحيح الإسناد .  
قلت : ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا :  واتقوا يوما   وآية الدين ; لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ، ولأنها في قصة واحدة فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر ، وذلك صحيح ،  وقول  البراء     : آخر ما نزل : يستفتونك أي : في شأن الفرائض     .  
وقال  ابن حجر  في شرح   البخاري     : طريق الجمع بين القولين في آية الربا :  واتقوا يوما   أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا ، إذ هي معطوفة عليهن ويجمع بين      [ ص: 116 ] ذلك وبين قول  البراء  بأن الآيتين نزلتا جميعا ، فيصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداهما . ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث بخلاف آية البقرة . ويحتمل عكسه ، الأول أرجح لما في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول . انتهى .  
وفي المستدرك ،  عن   أبي بن كعب  قال : آخر آية نزلت :  لقد جاءكم رسول من أنفسكم      [ التوبة : 128 - 129 ] إلى آخر السورة .  
وروى  عبد الله بن أحمد  في زوائد المسند  وابن مردويه ،  عن  أبي     : أنهم جمعوا القرآن في خلافة  أبي بكر  ، وكان رجال يكتبون ، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة :  ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون      [ 127 ] . ظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن ، فقال لهم   أبي بن كعب     :  إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأني بعدها آيتين  لقد جاءكم رسول من أنفسكم   إلى قوله  وهو رب العرش العظيم   وقال : هذا آخر ما نزل من القرآن ، قال : فختم بما فتح به ، بالله الذي لا إله إلا هو ، وهو قوله  وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون      [ الأنبياء : 25 ] .  
وأخرج  ابن مردويه  ،  عن  أبي  أيضا ، قال : آخر القرآن عهدا بالله هاتان الآيتان  لقد جاءكم رسول من أنفسكم   وأخرجه   ابن الأنباري  بلفظ : أقرب القرآن بالسماء عهدا .  
وأخرج  أبو الشيخ  في تفسيره من طريق   علي بن زيد ،  عن  يوسف المكي ،  عن   ابن عباس  قال : آخر آية نزلت :  لقد جاءكم رسول من أنفسكم      .  
 [ ص: 117 ] وأخرج  مسلم ،  عن   ابن عباس  قال : آخر سورة نزلت :  إذا جاء نصر الله والفتح      .  
وأخرج  الترمذي  والحاكم  ،  عن  عائشة  قالت : آخر سورة نزلت المائدة ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه     . . الحديث .  
وأخرجا  أيضا ، عن   عبد الله بن عمرو  قال : آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح     .  
قلت : يعني  إذا جاء نصر الله      .  
وفي  حديث  عثمان  المشهور : براءة من آخر القرآن نزولا     .  
قال  البيهقي     : يجمع بين هذه الاختلافات - إن صحت - بأن كل واحد أجاب بما عنده .  
وقال  القاضي أبو بكر  في " الانتصار " : هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل قاله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن ، ويحتمل أن كلا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل ، وغيره سمع منه بعد ذلك ، وإن لم يسمعه هو . ويحتمل أيضا أن تنزل هذه الآية - التي هي آخر آية تلاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع آيات نزلت معها ، فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك ، فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب . انتهى .  
ومن غريب ما ورد في ذلك : ما أخرجه   ابن جرير  عن   معاوية بن أبي سفيان  أنه تلا هذه الآية :  فمن كان يرجوا لقاء ربه      [ الكهف : 110 ] الآية ، وقال : إنها آخر آية نزلت من القرآن     .  
قال  ابن كثير     : هذا أثر مشكل ، ولعله أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ولا تغير حكمها ، بل هي مثبتة محكمة .  
 [ ص: 118 ] قلت : ومثله ما أخرجه   البخاري  وغيره ،  عن   ابن عباس  قال : نزلت هذه الآية  ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم      [ النساء : 93 ] هي آخر ما نزل ، وما نسخها شيء     .  
وعند  أحمد   والنسائي  عنه : لقد نزلت في آخر ما نزل ، ما نسخها شيء .  
وأخرج  ابن مردويه  ، من طريق  مجاهد ،  عن   أم سلمة  ، قالت : آخر آية نزلت هذه الآية  فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل      [ آل  عمران     : 195 ] إلى آخرها     .  
قلت : وذلك أنها قالت :  يا رسول الله ، أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء ؟ فنزلت  ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض      [ النساء : 32 ] . ونزلت :  إن المسلمين والمسلمات   ونزلت هذه الآية فهي آخر الثلاثة نزولا ، أو آخر ما نزل بعد ما كان ينزل في الرجال خاصة .  
وأخرج   ابن جرير     : عن  أنس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، فارقها والله عنه راض     .  
قال  أنس     : وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل :  فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا      [ التوبة : 5 ] .  
قلت : يعني في آخر سورة نزلت .  
 [ ص: 119 ] وفي البرهان   لإمام الحرمين     : إن قوله تعالى :  قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما      [ الأنعام : 145 ] . من آخر ما نزل .  
وتعقبه  ابن الحصار  بأن السورة مكية باتفاق ، ولم يرد نقل بتأخير هذه الآية عن نزول السورة ، بل هي في محاجة المشركين ومخاصمتهم وهم  بمكة      . انتهى .  
تنبيه : من المشكل على ما تقدم قوله تعالى :  اليوم أكملت لكم دينكم      [ المائدة : 3 ] فإنها نزلت  بعرفة   عام حجة الوداع ، وظاهرها إكمال الفرائض والأحكام قبلها ، وقد صرح بذلك جماعة منهم   السدي  ، فقال : لم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، مع أنه وارد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعد ذلك .  
وقد استشكل ذلك   ابن جرير  وقال : الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم بإقرارهم  بالبلد الحرام   وإجلاء المشركين عنه ، حتى حجه المسلمون لا يخالطهم المشركون ، ثم أيده بما أخرجه من طريق   ابن أبي طلحة ،  عن   ابن عباس  قال : كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا فلما نزلت براءة نفي المشركون عن البيت ، وحج المسلمون لا يشاركهم في  البيت الحرام   أحد من المشركين ; فكان ذلك من تمام النعمة . (  وأتممت عليكم نعمتي      )     .  
				
						
						
