[ ص: 142 ] النوع الثاني عشر .  
ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه      .  
قال  الزركشي  في البرهان : قد يكون النزول سابقا على الحكم ، كقوله :  قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى      [ الأعلى : 14 - 15 ] فقد روى  البيهقي  وغيره ، عن   ابن عمر     : أنها نزلت في زكاة الفطر . وأخرج  البزار  نحوه مرفوعا .  
وقال بعضهم : لا أدري ما وجه التأويل ؟ لأن السورة مكية ، ولم يكن  بمكة   عيد ولا زكاة ولا صوم ؟ .  
وأجاب  البغوي     : بأنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم ، كما قال :  لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد   فالسورة مكية ، وقد ظهر أثر الحل يوم فتح  مكة   ، حتى قال - عليه السلام - أحلت لي ساعة من نهار  وكذلك نزلت  بمكة   سيهزم الجمع ويولون الدبر      .  
 [ ص: 143 ]    [ القمر : 45 ] .  قال   عمر بن الخطاب     : فقلت أي جمع ؟ فلما كان يوم  بدر   وانهزمت  قريش   ، نظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آثارهم مصلتا بالسيف ، ويقول :  سيهزم الجمع ويولون الدبر   فكانت ليوم  بدر      . أخرجه   الطبراني  في الأوسط .  
وكذلك قوله :  جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب      [ ص : 11 ] قال  قتادة     : وعده الله - وهو يومئذ  بمكة      - أنه سيهزم جندا من المشركين ، فجاء تأويلها يوم  بدر      . أخرجه   ابن أبي حاتم     .  
أخرج   ابن أبي حاتم  ، عن   ابن مسعود  في قوله :  وقل جاء الحق   قال :  السيف ،  والآية مكية متقدمة على فرض القتال ، ويؤيد تفسير   ابن مسعود     : ما أخرجه الشيخان من حديثه أيضا قال :  دخل النبي - صلى الله عليه وسلم -  مكة   يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا ، فجعل يطعنها بعود كان في يده ، ويقول :  جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا      [ الإسراء : 81 ]  جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد      .  
وقال  ابن الحصار     : قد ذكر الله الزكاة في السور المكيات كثيرا ، تصريحا وتعريضا بأن الله سينجز وعده لرسوله ، ويقيم دينه ويظهره ; حتى تفرض الصلاة والزكاة وسائر الشرائع ، ولم تؤخذ الزكاة إلا  بالمدينة   بلا خلاف ، وأورد من ذلك قوله – تعالى - :  وآتوا حقه يوم حصاده      [ الأنعام : 141 ] وقوله في سورة المزمل :  وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة      [ 20 ] ، ومن ذلك قوله فيها  وآخرون يقاتلون في سبيل الله      [ المزمل : 20 ] .  
ومن ذلك قوله تعالى :  ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا      [ فصلت : 33 ] فقد قالت  عائشة  ،   وابن عمر  ،  وعكرمة  ، وجماعة : إنها نزلت في المؤذنين ، والآية مكية ولم يشرع الأذان إلا  بالمدينة      .  
ومن أمثلة ما تأخر نزوله عن حكمه : آية الوضوء ، ففي صحيح   البخاري     :  عن  عائشة  ، قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ، ونحن داخلون المدينة ، فأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل فثنى رأسه      [ ص: 144 ] في حجري راقدا ، وأقبل  أبو بكر  ، فلكزني لكزة شديدة وقال : حبست الناس في قلادة ؟ ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ وحضرت الصبح ، فالتمس الماء فلم يوجد ، فنزلت  ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة   إلى قوله لعلكم تشكرون     [ المائدة : 6 ] فالآية مدنية إجماعا ، وفرض الوضوء كان  بمكة   مع فرض الصلاة .  
قال   ابن عبد البر     : معلوم عند جميع أهل المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء ، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند . قال : والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ; ليكون فرضه متلوا بالتنزيل .  
وقال غيره : يحتمل أن يكون أول الآية نزل مقدما مع فرض الوضوء ، ثم نزل بقيتها - وهو ذكر التيمم - في هذه القصة .  
قلت : يرده الإجماع على أن الآية مدنية .  
ومن أمثلته أيضا : آية الجمعة ، فإنها مدنية ، والجمعة فرضت  بمكة ،   وقول  ابن الفرس     : إن إقامة الجمعة لم تكن  بمكة   قط ، يرده ما أخرجه   ابن ماجه ،  عن  عبد الرحمن بن كعب بن مالك  ، قال : كنت قائد أبي حين ذهب بصره ، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة ، فسمع الأذان يستغفر   لأبي أمامة أسعد بن زرارة  ، فقلت : يا أبتاه أرأيت صلاتك على   أسعد بن زرارة  كلما سمعت النداء بالجمعة ، لم هذا ؟ قال : أي بني كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من  مكة      .  
ومن أمثلته : قوله – تعالى - :  إنما الصدقات للفقراء      [ التوبة : 60 ] الآية ، فإنها نزلت سنة تسع ، وقد فرضت الزكاة قبلها في أوائل الهجرة .  
قال  ابن الحصار     : فقد يكون مصرفها قبل ذلك معلوما ، ولم يكن فيه قرآن متلو ، كما كان الوضوء معلوما قبل نزول الآية ، ثم نزلت تلاوة القرآن تأكيدا به .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					