280 - ومبهم التعديل ليس يكتفي به الخطيب والفقيه الصيرفي 281 - وقيل يكفي نحو أن يقالا
حدثني الثقة بل لو قالا 282 - جميع أشياخي ثقات لو لم
أسم لا يقبل من قد أبهم 283 - وبعض من حقق لم يرده
من عالم في حق من قلده 284 - ولم يروا فتياه أو عمله
على وفاق المتن تصحيحا له 285 - وليس تعديلا على الصحيح
رواية العدل على التصريح
( ومبهم التعديل ) أي : تعديل المبهم ( ليس يكتفي به ) ، وعصريه الحافظ أبو بكر ( الخطيب ) ( و ) من قبلهما ( أبو نصر بن الصباغ الفقيه ) أبو بكر محمد بن عبد الله ( الصيرفي ) شارح الرسالة ، وغيرهم من الشافعية ; كالماوردي ، سواء في ذلك المقلد وغيره . والروياني
( وقيل : يكفي ) كما لو عينه ; لأنه مأمون في الحالتين معا ، نقله ابن الصباغ أيضا في العدة عن أبي حنيفة ، وهو ماش على قول من يحتج بالمرسل ، من أجل أن المرسل لو لم يحتج بالمحذوف لما حذفه ، فكأنه عدله ، بل هو في مسألتنا أولى بالقبول ; لتصريحه فيها بالتعديل .
ولكن الصحيح الأول ; لأنه لا يلزم من تعديله أن يكون عند غيره كذلك ، فلعله إذا سماه يعرف بخلافها ، وربما يكون قد انفرد بتوثيقه كما وقع في للشافعي ، فقد قال إبراهيم بن أبي يحيى النووي : إنه لم يوثقه غيره ، وهو ضعيف باتفاق المحدثين ، بل إضراب المحدثين عن تسميته [ ص: 38 ] ريبة تقع ترددا في القلب .
قال : وهذا مأخوذ من شاهد الأصل إذا شهد عليه شاهد فرع ، فلابد من تسميته للحاكم المشهود عنده بالاتفاق عند ابن أبي الدم وأصحابه ، فإذا قال شاهد الفرع : أشهدني شاهد أصل أشهد بعدالته وثقته أنه يشهد بكذا ، لم يسمع ذلك وفاقا حتى يعينه للحاكم ، ثم الحاكم إن علم عدالة شاهد الأصل عمل بموجب الشهادة ، وإن جهل حاله استزكاه - انتهى . الشافعي
وصورته : ( نحو أن يقالا حدثني الثقة ) أو الضابط أو العدل من غير تسمية ( بل ) صرح الخطيب بأنه ( لو قالا ) أيضا : ( جميع أشياخي ) الذين رويت عنهم ( ثقات ) ، و ( لو لم أسم ) ، ثم روى عن واحد أبهم اسمه ( لا يقبل ) أيضا ( من قد أبهم ) للعلة المذكورة ، هذا مع كونه في هذه الصورة أعلى مما تقدم ; فإنه كما نقل عن المصنف إذا قال : حدثني الثقة ، يحتمل أنه يروي عن ضعيف ، يعني عند غيره ، وإذا قال : جميع أشياخي ثقات ، علم أنه لا يروي إلا عن ثقة ، فهي أرفع بهذا الاعتبار ، وفيه نظر ; إذ احتمال الضعف عند غيره قد طرقهما معا .
بل تمتاز الصورة الثانية باحتمال الذهول عن قاعدته ، أو كونه لم يسلك ذلك إلا في آخر أمره ، كما روي أن كان يتساهل أولا في الرواية عن غير واحد بحيث كان يروي عن ابن مهدي جابر الجعفي ، ثم شدد . نعم ، جزم الخطيب بأن العالم إذا قال : كل من أروي لكم عنه وأسميه فهو عدل رضي ، كان تعديلا منه لكل من روى عنه وسماه ، يعني بحيث يسوغ لنا إضافة تعديله له ، قال : وقد يوجد فيهم الضعيف ; لخفاء حاله على القائل .
[ ص: 39 ] قلت : أو لكون عمله بقوله هذا مما طرأ كما قدمته ( وبعض من حقق ) كما حكاه ولم يسمه ، ولعله ابن الصلاح ، فصل حيث ( لم يرده ) أي : التعديل لمن أبهم إذا صدر ( من عالم ) إمام الحرمين كمالك ونحوهما من المجتهدين المقلدين ( في حق من قلده ) في مذهبه ، فكثيرا ما يقع للأئمة ذلك ، فحيث روى والشافعي مالك عن الثقة عن ، فالثقة بكير بن عبد الله بن الأشج مخرمة ولده ، أو عن الثقة عن ، فقيل : إنه عمرو بن شعيب ، أو عبد الله بن وهب ، أو الزهري ، أو عمن لا يتهم من أهل العلم ، فهو ابن لهيعة الليث .
وجميع ما يقول : بلغني عن علي ، سمعه من . وحيث روى عبد الله بن إدريس الأودي عن الثقة عن الشافعي ، فهو ابن أبي ذئب ، أو عن الثقة عن ابن أبي فديك ، فهو الليث بن سعد ، أو عن الثقة عن يحيى بن حسان ، فهو الوليد بن كثير أبو أسامة ، أو عن الثقة عن ، فهو الأوزاعي ، أو عن [ ص: 40 ] الثقة عن عمرو بن أبي سلمة ، فهو ابن جريج ، أو عن الثقة عن مسلم بن خالد صالح مولى التوءمة ، فهو ، أو عن الثقة وذكر أحدا من إبراهيم بن أبي يحيى العراقيين فهو . أحمد بن حنبل
وما روي عن عبد الله بن أحمد أنه قال : كل شيء في كتاب " أنا الثقة " فهو أبي ، يمكن أن يحمل على هذا ، نعم ، في مسند الشافعي ، وساقه الشافعي البيهقي في مناقبه عن الربيع أن إذا قال : " أخبرني الثقة " فهو الشافعي ، أو " من لا أتهم " فهو يحيى بن حسان ، أو " بعض الناس " فيريد به أهل إبراهيم بن أبي يحيى العراق ، أو " بعض أصحابنا " فأهل الحجاز .
وقال شيخنا : إنه يوجد في كلام ، أخبرني الثقة عن الشافعي ، يحيى بن أبي كثير لم يأخذ عن أحد ممن أدرك والشافعي يحيى ، فيحمل على أنه أراد بسنده إلى يحيى .
بخلاف من لم يقلد كابن إسحاق ; حيث يقول : أخبرني من لا أتهم عن مقسم ، فذلك لا يكون حجة لغيره ، لا سيما وقد فسر بالحسن بن عمارة المعروف بالضعف ، ; فإن وكسيبويه أبا زيد قال : إذا قال : حدثني ، فإنما يعنيني . سيبويه
وعلى هذا القول يدل كلام ابن الصباغ في العدة ; فإنه قال : إن لم يورد ذلك احتجاجا بالخبر على غيره ، وإنما ذكر لأصحابه قيام الحجة عنده على [ ص: 41 ] الحكم ، وقد عرف هو من روى عنه ذلك ، لكن قد توقف شيخنا [ في هذا القول ] ، وقال : إنه ليس من المبحث ; لأن المقلد يتبع إمامه ، ذكر دليله أم لا . الشافعي
تنبيه : ألحق ابن السبكي بحدثني الثقة من مثل دون غيره ، حدثني من لا أتهم في مطلق القبول ، لا في المرتبة . وفرق بينهما الشافعي الذهبي وقال : إن قول : أخبرني من لا أتهم ، ليس بحجة ; لأن من أنزله من رتبة الثقة إلى أنه غير متهم فهو لين عنده ، وضعيف عند غيره ; لأنه عندنا مجهول ، ولا حجة في مجهول . الشافعي
ونفي التهمة عمن حدثه لا يستلزم نفي الضعف ; فإن الشافعي ووالد ابن لهيعة ، علي بن المديني وأمثالهم ليسوا ممن نتهمهم على السنن ، وهم ضعفاء لا نقبل حديثهم للاحتجاج به . وعبد الرحمن بن زياد الأفريقي
قال ابن السبكي : وهو صحيح ، إلا أن يكون قول ذلك حين احتجاجه به ، فإنه هو والتوثيق حينئذ سواء في أصل الحجة ، وإن كان مدلول اللفظ لا يزيد على ما ذكره الشافعي الذهبي .
( ولم يروا ) أي : الجمهور ، كما هو قضية كلام ( فتياه ) أو فتواه كما هي بخط الناظم ; أي : العالم مجتهدا كان أو مقلدا ( أو عمله ) في الأقضية وغيرها . ابن الصلاح
( على وفاق المتن ) أي : الحديث الوارد في ذلك المعنى ، حيث لم يظهر أن ذلك بمفرده مستنده ( تصحيحا له ) أي : للمتن ، ولا تعديلا لراويه ; لإمكان أن يكون لدليل آخر وافق ذلك المتن من متن غيره ، أو إجماع أو قياس ، أو يكون ذلك منه احتياطا ، أو لكونه ممن يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس ، كما تقدم عن أحمد وأبي داود ، ويكون اقتصاره على هذا [ ص: 42 ] المتن أن ذكره إما لكونه أوضح في المراد ، أو لأرجحيته على غيره ، أو بغير ذلك .
قال : وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ، ولا في راويه ، قال ابن الصلاح الخطيب : لأنه قد يكون عدل عنه لمعارض أرجح عنده منه من نسخ وغيره مع اعتقاد صحته ، وبه قطع ابن كثير . وممن صرح بأن العمل بخبر انفرد به راو لأجله ، يعني : جزما ، يكون تعديلا له ، الخطيب وغيره ; لأنه لم يعمل بخبره إلا وهو رضي عنده ، فكان ذلك قائما مقام التصريح بتعديله .
ونحوه قول : إن ابن الحاجب ، وعمل العالم مثله . حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل باتفاق
( و ) كذا ( ليس تعديلا ) مطلقا ( على ) القول ( الصحيح ) الذي قال به أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم ( رواية العدل ) الحافظ الضابط ، فضلا عن غيره ، عن الراوي ( على ) وجه ( التصريح ) باسمه ; لأنه يجوز أن يروي عمن لا يعرف عدالته ، بل وعن غير عدل ، فلا تتضمن روايته عنه تعديله ولا خبرا عن صدقه ، كما إذا شهد شاهد فرع على شاهد أصل لا يكون مجرد أدائه الشهادة على شهادته تعديلا منه له بالاتفاق ، وكذا إذا أشهد الحاكم على نفسه رجلا بما ثبت عنده لا [ ص: 43 ] يكون تعديلا له على الأصح .
وقد ترجم البيهقي في المدخل على هذه المسألة : " لا تستدل بمعرفة صدق من حدثنا على صدق من فوقه " ، بل صرح الخطيب بأنه لا يثبت للراوي حكم العدالة بمجرد رواية اثنين مشهورين عنه .
[ والثاني : أنه تعديل مطلقا ; إذ الظاهر أنه لا يروي إلا عن عدل ; إذ لو علم فيه جرحا لذكره ; لئلا يكون غاشا في الدين ، حكاه جماعة منهم الخطيب .
وكذا قال ابن المنير في الكفيل : : صريحي وغير صريحي ، فالصريحي واضح ، وغير الصريحي ، وهو الضمني ، كرواية العدل وعمل العالم . للتعديل قسمان
ورده الخطيب بأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه ] ، كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع [ ص: 44 ] علمهم بأنهم غير مرضيين ، وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب .
وكذا خطأه وقال : " لأن الرواية تعريف ; أي : مطلق تعريف ، يزول جهالة العين بها بشرطه ، والعدالة بالخبرة ، والرواية لا تدل على الخبرة " . الفقيه أبو بكر الصيرفي
وقد قال : إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه ، فللحجة من رجل ، وللتوقف فيه من آخر ، ولمحبة معرفة مذهب من لا أعتد بحديثه ، لكن قد عاب سفيان الثوري شعبة عليه ذلك . وقيل : أهل الحديث ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح ، فقال : علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم ، فروايتهم الحديث الواهي للمعرفة ; ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها . لأبي حاتم الرازي
قال البيهقي : فعلى هذا الوجه كانت رواية من روى من الأئمة عن الضعفاء .
والثالث : التفصيل ، فإن ، وإلا فلا ، وهذا هو الصحيح عند الأصوليين ; علم أنه لا يروي إلا عن عدل كانت روايته عن الراوي تعديلا له كالسيف الآمدي وابن الحاجب وغيرهما ، بل وذهب إليه جمع من المحدثين ، وإليه ميل [ ص: 45 ] الشيخين في صحاحهم ، وابن خزيمة والحاكم في مستدركه ، ونحوه قول رحمه الله فيما يتقوى به المرسل : أن يكون المرسل إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه - انتهى . الشافعي
وأما باتفاق . رواية غير العدل فلا يكون تعديلا
تتمة : ممن كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر : ، الإمام أحمد ، وبقي بن مخلد ، وحريز بن عثمان ، وسليمان بن حرب وشعبة ، ، وعبد الرحمن بن مهدي ومالك ، ، وذلك في ويحيى بن سعيد القطان شعبة على المشهور ، فإنه كان يتعنت في الرجال ولا يروي إلا عن ثبت ، وإلا فقد قال عصام بن علي : سمعت شعبة يقول : لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثة . وفي نسخة : ثلاثين . وذلك اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره ، فينظر . وعلى كل حال فهو لا يروي عن متروك ، ولا عمن أجمع على ضعفه .
وأما فكان يترخص مع سعة علمه وشدة ورعه ويروي عن الضعفاء ، حتى قال فيه صاحبه سفيان الثوري شعبة : لا تحملوا عن إلا عمن تعرفون ; فإنه لا يبالي عمن حمل . الثوري
وقال : قال لي الفلاس : لا تكتب عن يحيى بن سعيد معتمر إلا عمن تعرف ; فإنه يحدث عن كل .
[ ص: 46 ] واعلم أن ما وقع في هذا الفصل من التوسط بين مسألتيه بموافقة حديث لما أفتى به العالم أو عمل به - ظاهر في المناسبة مع القول الثالث المفصل في الأول ، وإن خالف هذا الصنيع . ابن الصلاح