الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

477 - والسابع الإذن لغير أهل للأخذ عنه كافر أو طفل      478 - غير مميز وذا الأخير
رأى أبو الطيب والجمهور      479 - ولم أجد في كافر نقلا بلى
بحضرة المزي تترا فعلا      480 - ولم أجد في الحمل أيضا نقلا
وهو من المعدوم أولى فعلا      481 - وللخطيب لم أجد من فعله
قلت : رأيت بعضهم قد سأله      482 - مع أبويه فأجاز ولعل
ما أصفح الأسماء فيها إذ فعل [ ص: 264 ]      483 - وينبغي البنا على ما ذكروا
هل يعلم الحمل وهذا أظهر

( و ) النوع ( السابع ) من أنواع الإجازة : ( الإذن ) أي : الإجازة ( لغير أهل ) حين الإجازة ( للأخذ عنه ) وللأداء ( كافر ) أو فاسق أو مبتدع أو مجنون ( أو طفل غير مميز ) تمييزا يصح أن يعد معه سامعا ( وذا الأخير ) أي : الإجازة للطفل ، وهو الذي اقتصر ابن الصلاح بالتصريح مما ذكرناه عليه مع كونه لم يفرده بنوع ، وإنما ذكره ذيل مسألة الإجازة للمعدوم ( رأى ) أي : رآه صحيحا مطلقا ، القاضي ( أبو الطيب ) الطبري ، حيث سأله صاحبه الخطيب عن ذلك ، وفرق بينه وبين السماع بأن الإجازة أوسع ; فإنها تصح للغائب بخلاف السماع ( و ) كذا رآه ( الجمهور ) ، وحكاه السلفي عمن أدركه من الشيوخ والحفاظ ، وسبقه لذلك الخطيب ، فإنه قال : وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم ، وحال تمييزهم .

واحتج الخطيب لذلك بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز الرواية للمجاز له ، والإباحة تصح لغير المميز ، بل وللمجنون ، يعني لعدم افتراقهما في غالب الأحكام .

قال ابن الصلاح : وكأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع الخاص ليؤدي به بعد حصول أهليته ; حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه [ ص: 265 ] الأمة ، وتقريبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والقول الثاني ، وحكاه الخطيب عن بعض الأصحاب : البطلان ، وكذا أبطلها الشافعي رحمه الله لمن لم يستكمل سبع سنين كما تقدم في " متى يصح التحمل " .

قال ابن زبر : وهو مذهبي . وكأن الضبط به ; لأنه مظنة التمييز غالبا . وهذا القول لازم من ذهب إلى اشتراط كون المجاز عالما كما سيأتي في لفظ الإجازة قريبا مع ما فيه ، وأما باقي الصور التي لم يذكرها ابن الصلاح فالمجنون ، قد علم الحكم فيه قريبا من كلام الخطيب .

قال الناظم : ( ولم أجد في ) الإجازة ل ( كافر نقلا ) مع تصريحهم بصحة سماعه ( بلى ) أي : نعم ( بحضرة ) الحافظ الحجة أبي الحجاج ( المزي ) بكسر الميم نسبة للمزة قرية من دمشق ( تترا ) أي : متتابعا ( فعلا ) حيث أجاز ابن عبد المؤمن الصوري لابن الديان حال يهوديته في جملة السامعين جميع مروياته ، وكتب اسمه في الطبقة ، وأقره المزي المذكور ، بل وأجازه ابن تيمية كما قدمت كل ذلك في " متى يصح التحمل " ، وإذا جاز في الكافر فالفاسق والمبتدع من باب أولى .

( و ) كذا ( لم أجد في ) إجازة ( الحمل ) ، سواء نفخ فيه الروح أم لم ينفخ ، عطف على موجود كأبويه مثلا أو لم يعطف ( أيضا نقلا وهو ) أي : جواز الإجازة له ( من ) جواز إجازة ( المعدوم أولى فعلا ) بلا شك ، لا سيما إذا أنفخ فيه [ ص: 266 ] الروح ، ويشهد له تصحيحهم الوصية للحمل ، وإيجاب النفقة على الزوج لمطلقته الحامل ; حيث قلنا : إنها لأجله تنزيلا له منزلة الموجود . ( وللخطيب ) مما يتأيد به عدم النقل في الحمل ( لم أجد من فعله ) أي : أجاز الحمل مع كونه ممن يرى - كما تقدم - صحة الإجازة للمعدوم .

( قلت ) : قد ( رأيت بعضهم ) ، وهو أحد شيوخه المتأخرين ، الحافظ العمدة صلاح الدين أبو سعيد العلائي شيخ بعض شيوخنا ( قد سأله ) أي : الإذن للحمل ( مع ) بالسكون ( أبويه ) إذ سئل في الإجازة لهما ولحملهما ( فأجاز ) ولم يستثن أحدا ، فإما أن يكون يراها مطلقا ، أو يغتفرها تبعا ، وهو أعلم وأحفظ وأتقن من المحدث المكثر الثقة أبي الثناء محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي الدمشقي شيخ شيوخنا ، الذي صرح في كتابته بما يشعر بالاحتراز عن الإجازة له ، بل ومن أبهم اسمه فإنه قال : أجزت للمسمين فيه ( و ) لكن يمكن أن يقال : ( لعل ) ، يعني : العلائي ( ما أصفح ) أي : تصفح بمعنى نظر ( الأسماء ) التي ( فيها ) أي : في الاستجازة ، حتى يعلم هل فيها حمل أم لا ؟ ( إذ فعل ) أي : حيث أجاز ، بناء على صحة الإجازة بدون تصفح ولا عد ، كما تقدم في النوع الرابع قريبا ، إلا أن الغالب أن أهل الحديث كما هو المشاهد لا يجيزون إلا بعد نظر المسئول عنهم ، على أنه يمكن أن يقال : لعل المنبجي أيضا لم يتصفح الإجازة ، وظن الكل مسمين ، أو يقال : إن الحمل اسمه حينئذ ، فلا تنافي بين الصنيعين .

[ ص: 267 ] وعلى كل حال ( فينبغي البنا ) بالقصر للضرورة ; أي : بناء صحة الإجازة له ( على ما ذكروا ) أي : الفقهاء ، من أنه ( هل يعلم الحمل ) أم لا ؟ فإن قلنا : إنه لا يعلم ، فيكون كالإذن للمعدوم ، ويجري فيه الخلاف فيه ، وإن قلنا : إنه يعلم كما صححه الرافعي صح الإذن ( وهذا ) أي : البناء وكون الحمل يعلم ( أظهر ) ، فاعتمده .

ثم إن معنى قولهم : إن الحمل يعلم ، إنه يعامل معاملة المعلوم ، وإلا فقد قال إمام الحرمين : لا خلاف أنه لا يعلم ، وبه جزم الرافعي بعد هذا بنحو صفحة في أثناء فرق . ومحصل ما ذكر هنا أن الإجازة كالسماع ، لا يشترط فيها الأهلية عند التحمل بها .

تتمة : رأيت من كتب بهامش نسخة نقلا عن المصنف إنه هو السائل العلائي ، وإن الحمل هو ولده أحمد ، يعني الولي أبا زرعة . وفيه نظر ; فمولد أبي زرعة في ذي الحجة سنة اثنتين وستين ، ووفاة العلائي في المحرم سنة إحدى ، اللهم إلا أن يكون مكث حملا أزيد من المعتاد غالبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية