الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ النوع الأول ] : ف ( أرفعها ) مما تجرد ( بحيث لا مناوله ) معها ; لعلو تلك ، وهو الأول من أنواعها ( تعيينه ) أي : المحدث ( المجاز ) به ، وتعيينه الطالب ( المجاز له ) ، كأن يقول : إما بخطه ولفظه ، وهو أعلى ، أو بأحدهما : أجزت [ لك أو ] لكم أو لفلان صحيح البخاري أو فهرستي ; بكسر أوله وثالثه الذي يجمع فيه مرويه ، والمجاز عارف بما اشتمل عليه .

ونحو ذلك كأن يقول له وقد أدخله خزانة كتبه : ارو جميع هذه الكتب عني ; فإنها سماعاتي من الشيوخ المكتوبة عنهم ، أو أحاله على تراجمها ، ونبهه على طرق أوائلها .

[ ص: 222 ] ( وبعضهم ) كما حكاه القاضي عياض ( حكى اتفاقهم ) أي : العلماء وأهل الظاهر ( على جواز ذا ) النوع ، وأن المختلف فيه من أنواعها غيره . ونحوه قول أبي مروان الطبني كما حكاه عياض : إنما يصح عندي إذا عين المجيز للمجاز ما أجاز له .

قال : وعلى هذا رأيت إجازات المشرق وما رأيت مخالفا له ، بخلاف ما إذا أبهم ولم يسم ما أجاز . بل وسوى بعضهم كما حكاه عياض أيضا بينه وبين المناولة ، قال : وسماه أبو العباس بن بكر المالكي في كتابه إجازة مناولة ، وقال : إنه يحل محل السماع والقراءة عند جماعة من أصحاب الحديث ، وقال : إنه مذهب مالك .

( وذهب ) القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف المالكي ( الباجي ) ، نسبة لباجة مدينة بالأندلس ، [ والقاضي أبو بكر الباقلاني ] ( إلى نفي الخلاف ) عن صحة الإجازة ( مطلقا ) ، هذا النوع وغيره ( وهو غلط ) كما ستراه .

( قال ) الباجي كما حكاه عياض : لا خلاف من سلف الأمة وخلفها في جواز الرواية بها ( والاختلاف ) إنما هو ( في العمل ) بها ( قط ) أي : فقط كما [ ص: 223 ] سيأتي .

( ورده ) أي : القول بنفي الخلاف وبقصره على العمل مصرحا ببطلانه ( الشيخ ) ابن الصلاح ( بأن ) مخففة من الثقيلة ( للشافعي ) وكذا لمالك ( قولان فيها ) أي : في الإجازة جوازا ومنعا .

وقال بالمنع جماعات من أهل الحديث والفقهاء كأشهب والأصوليين ( ثم ) رده أيضا بالقطع بمقابله ف ( بعض تابعي مذهبه ) أي : الشافعي ، [ أصحاب الوجوه فيه ] ، وهو ( القاضي الحسين ) بن محمد المروروذي ( منعا ) الرواية بها ; يعني جزما .

( و ) كذا القاضي أبو الحسن الماوردي ( صاحب الحاوي ) فيه ( به ) أي : بعدم الجواز ( قد قطعا ) مع عزوه المنع لمذهب الشافعي كما رواه الربيع عنه ، حيث قال : فاتني على الشافعي من كتابه ثلاث ورقات من البيوع ، فقلت له : أجزها لي ، فقال : بل اقرأها علي كما قرئت علي ، وكرر قوله حتى أذن لي في الجلوس وجلس فقرئ عليه ، [ ولم ينفردا بذلك ، فقد قال أحمد بن صالح المصري : إنها لا تجوز البتة بدون مناولة ] . وقال ابن القاسم : [ ص: 224 ] سألت مالكا عن الإجازة ، فقال : لا أراها ، إنما يريد أحدهم أن يقيم المقام اليسير ، ويحمل العلم الكثير .

وعن ابن وهب : سمعت مالكا يقول لمن سأله الإجازة : ما يعجبني وإن الناس يفعلونه ، قال : وذلك أنهم طلبوا العلم لغير الله ، يريدون أن يأخذوا الشيء الكثير في المقام القليل . ومثل هذا قول عبد الملك بن الماجشون لرسول أصبغ بن الفرج في ذلك : قل له : إن كنت تريد العلم فارحل له .

و ( قالا ) أي : القاضي الحسين والماوردي ( ك ) قول ( شعبة ) بالصرف للضرورة ، وابن المبارك وأضرابهما ما معناه : ( ولو جازت ) الإجازة ( إذن ) بالنون لجماعة ، منهم المبرد ، حتى كان يقول : أشتهي أن أكوي يد من يكتبها بالألف ; لأنها مثل أن ولن ، ولا يدخل التنوين في الحروف ( لبطلت رحلة ) بكسر الراء وضمها ; أي : انتقال ( طلاب السنن ) لأجلها من بلد إلى بلد ; لاستغنائهم بالإجازة عنها .

زاد شعبة : وكل حديث ليس فيه " سمعت قال : سمعت " فهو خل وبقل ونحوه . وقول أبي زرعة الرازي : ما رأينا أحدا يفعلها ، وإن تساهلنا في هذا يذهب العلم ، ولم يكن للطلب معنى ، وليس هذا من مذاهب أهل العلم .

[ ص: 225 ] ( و ) جاء أيضا ( عن أبي الشيخ ) ، وهو عبد الله بن محمد الأصبهاني الحافظ ، صاحب التصانيف الشهيرة ( مع ) أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق ( الحربي إبطالها ) . قال أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب : سمعته يقول : الإجازة والمناولة لا تجوز ، وليس هي بشيء . وكذا قال صالح بن محمد الحافظ جزرة ، فيما ذكره الحاكم في ترجمته من تأريخه ، والخطيب في الكفاية : الإجازة ليست بشيء ، وحكاه الآمدي وابن الحاجب عن أبي حنيفة وأبي يوسف .

( كذاك للسجزي ) بكسر المهملة ثم جيم بعدها زاء نسبة لسجستان على غير قياس ، وهو أبو نصر عبيد الله بن سعيد الوائلي الحافظ ، أحد أصحاب الحاكم ، القول بإبطالها ، بل حكاه عن بعض من لقيه ، فقال : وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون : قول المحدث : قد أجزت لك أن تروي عني ، تقديره : أجزت لك ما لا يجوز في الشرع ; لأن الشرع لا يبيح ما لم يسمع . وحكى أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي من الشافعية ، وهو من القائلين بالإبطال ، عن القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد بن نصر الدباس من الحنفية ، أن من قال لغيره : أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع ، فكأنه يقول : أجزت لك أن تكذب علي .

ورواه السلفي في كتابه ( الوجيز في ذكر المجاز والمجيز ) من طريق الخليل [ ص: 226 ] بن أحمد السجستاني عن أبي طاهر . وكذا قال ابن حزم في كتابه ( الإحكام ) : الإجازة ، يعني المجردة التي يستعملها الناس ، باطلة ، ولا يجوز أن يجيز بالكذب ، ومن قال لآخر : ارو عني جميع روايتي ، أو يجيزه بها ديوانا ديوانا وإسنادا إسنادا ، فقد أباح له الكذب ، قال : ولم تأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، ولا عن أحد من التابعين وأتباعهم ، فحسبك بما هذه صفته .

وكذا قال إمام الحرمين في البرهان : ذهب ذاهبون إلى أنه لا يتلقى بالإجازة حكم ، ولا يسوغ التعويل عليها عملا ورواية ( لكن على جوازها ) أي : الإجازة ( استقرا عملهم ) أي : أهل الحديث قاطبة ، وصار بعد الخلف إجماعا ، وأحيا الله بها كثيرا من دواوين الحديث مبوبها ومسندها ، مطولها ومختصرها ، وألوفا من الأجزاء النثرية ، مع جملة من المشيخات والمعاجم والفوائد انقطع اتصالها بالسماع .

واقتديت بشيخي فمن قبله فوصلت بها جملة ، ورحم الله الحافظ علم الدين البرزالي حيث بالغ في الاعتناء بطلب الاستجازات من المسندين للصغار ونحوهم ، فكتب غير واحد من الاستدعاءات ألفيا ; أي : مشتملا على ألف اسم ، وتبعه أصحابه كابن سعد والواني ، وانتفع الناس بذلك .

وكذا ممن بالغ في عصرنا في ذلك مفيدنا الحافظ أبو النعيم المستملي ، و [ ص: 227 ] عمدة المحدثين النجم بن فهد الهاشمي ، فجزاهم الله خيرا .

وممن اختار التعويل عليها مع تحقق الحديث إمام الحرمين ، وما أحسن قول الإمام أحمد : إنها لو بطلت لضاع العلم ، ولذا قال عيسى بن مسكين صاحب سحنون فيما رواه أبو عمرو الداني من طريقه : هي رأس مال كبير ، وهي قوية .

وقال السلفي : هي ضرورية ; لأنه قد تموت الرواة ، وتفقد الحفاظ الوعاة ، فيحتاج إلى إبقاء الإسناد ، ولا طريق إلا الإجازة ، فالإجازة فيها نفع عظيم ، ورفد جسيم ; إذ المقصود إحكام السنن المروية في الأحكام الشرعية ، وإحياء الآثار ، وسواء كان بالسماع [ أو القراءة أو المناولة ] أو الإجازة ، قال : وسومح بالإجازة ; لقوله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 78 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : بعثت بالحنيفية السمحة ، قال : ومن منافعها أنه ليس كل [ ص: 228 ] طالب يقدر على رحلة وسفر ، إما لعلة توجب عدم الرحلة ، أو بعد الشيخ الذي يقصده ، فالكتابة حينئذ أرفق ، وفي حقه أوفق ، فيكتب من بأقصى الغرب إلى من بأقصى الشرق ، ويأذن له في رواية ما يصح عنه - انتهى .

وقد كتب السلفي هذا من ثغر إسكندرية لأبي القاسم الزمخشري صاحب ( الكشاف ) ، وهو بمكة ، يستجيزه جميع مسموعاته وإجازاته ورواياته ، وما ألفه في فنون العلم ، وأنشأه من المقامات والرسائل والشعر ، فأجابه بجزء لطيف فيه لغة وفصاحة مع الهضم فيه لنفسه .

وكان من جملته : وأما الرواية فقريبة الميلاد ، حديثة الإسناد ، لم تعتضد بأشياخ نحارير ، ولا بأعلام مشاهير . وكذا استجاز أبا شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي ، فأجابه بقوله في أبيات :


إني أجزت لكم عني روايتكم بما سمعت من أشياخي وأقراني     من بعد أن تحفظوا شرط الجواز لها
مستجمعين بها أسباب إتقان     أرجو بذلك أن الله يذكرني
يوم النشور وإياكم بغفران

وقال أبو الحسن ابن النعمة : لم تزل مشايخنا في قديم الزمان يستعملون هذه الإجازات ، ويرونها من أنفس الطلبات ، ويعتقدونها رأس مال الطالب ، [ ص: 229 ] ويرون من عدمها المغلوب لا الغالب ، فإذا ذكر حديثا أو قراءة أو معنى ما قالوا : أين إسناده ، وعلى من اعتماده ؟ فإن عدم سندا يترك سدى ، ونبذ قوله ، ولم يعلم فضله .

( والأكثرون ) من العلماء بالحديث وغيره ( طرا ) بضم الطاء وتشديد الراء المهملتين ; أي : جميعا ( قالوا به ) أي : بالجواز أيضا قبل انعقاد الإجماع عليه ، وحكاه الآمدي عن أصحاب الشافعي وأكثر المحدثين ، وبه قال الربيع ، وحكي عن أبي يوسف أيضا ، وإليه ذهب الشيخان ، ولكن شيخنا متوقف في كون البخاري كان يرى بها ; فإنه قال : إنه لم يذكر ، يعني في العلم من صحيحه ، الإجازة المجردة عن المناولة أو المكاتبة ، ولا الوجادة ولا الوصية ولا الإعلام المجردات عن الإجازة ، وكأنه لا يرى بشيء منها - انتهى .

وقد يغمض الاحتجاج لصحتها ويقال : الغرض من القراءة الإفهام ، والفهم حاصل بالإجازة المفهمة ، وهذا مأخوذ من كلام ابن الصلاح ; فإنه قال : وفي الاحتجاج لذلك غموض ; أي : من جهة التحديث والإخبار بالتفاصيل ، ويتجه أن نقول : إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته ، يعني المعينة أو المعلومة ، فقد أخبره بها جملة ، فهو كما لو أخبره بها تفصيلا ، وإخباره له بها لا يتوقف على التصريح نطقا ، يعني في كل حديث كالقراءة ، وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم ، وذلك يحصل بالإجازة المفهمة ، وارتضاه كل من بعده .

لكن قد بحث فيه بعض المتأخرين وقال : إنه قياس مجرد عن العلة ، فلا [ ص: 230 ] يكون صحيحا ، وأيضا فمنع الإلحاق متجه ، والفرق ناهض ; إذ لا يلزم من الجواز في المفصل الجواز في المجمل ; لجواز خصوصية في المفصل ، ولو عكس لجاز . وفيه نظر ; فابن الصلاح لم يجرد القياس عن العلة ، بل صرح بأن الإفهام يعني الإعلام بأن هذا مرويه هو المقصود بالقراءة ، وذلك حاصل بالإجازة المفهمة .

على أن هذا الباحث قد ذكر في الرد على الدباس ومن وافقه ما لعله انتزعه من ابن الصلاح ; فإنه قال : والحق أن الراوي بها إذا أخبر بأن الذي يسوقه من جملة تفاصيل ما تعلقت به الإجازة ، وأنه فرد من أفراد تلك الجملة التي وقع الإخبار بها ، وأنه قد أخبر به على هذه الكيفية لا من جهة تعينه وتشخصه ، فلا نزاع أن هذا ليس من الكذب في شيء ، وعليه يتنزل الجواز - انتهى .

والإفصاح في الإخبار بكونه إجازة بعد اشتهار معناها كاف ، وكذا يستدل لها بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ( بلغوا عني ) ) الحديث ; فقد استدل به البلقيني كما سيأتي للإجازة العامة ، فيكون هنا أولى .

ثم إن ما تقدم عن الشافعي حمله الخطيب والبيهقي على الكراهة ، ويتأيد بتصريح الربيع بالجواز ، بل صرح الشافعي بإجازتها لمن بلغ سبع سنين كما تقدم في مسألة سماع الصغير ، ويأتي في النوع السابع أيضا ، ولما قال له الحسين الكرابيسي : أتأذن لي أن أقرأ عليك الكتب ؟ قال له : خذ كتب الزعفراني فانتسخها ; فقد أجزتها لك . ولعل توقفه مع الربيع ليكون تحمله [ ص: 231 ] للكتاب على هيئة واحدة ، وكذا حمل الخطيب قول مالك : لا أراها ، على الكراهة أيضا ; لما ثبت عنه من التصريح بصحة الرواية بأحاديث الإجازة . وقد قال أبو الحسن بن المفضل الحافظ : إنه نقل عنهما - أعني مالكا والشافعي - أقوال متعارضة بظاهرها ، والصحيح تأويلها والجمع بينها ، وأن مذهبهما القول بصحتها - انتهى .

وحينئذ فالكراهة إما لخشية الاسترواح بها ، بحيث يترك السماع وكذا الرحلة بسببه ، كما صرح به شعبة ومن وافقه . وقد رده أبو الحسين بن فارس بأنا لم نقل باقتصار الطالب عليها ، بحيث لا يسعى ولا يرحل ، بل نقول بها لمن له عذر من قصور نفقة ، أو بعد مسافة ، أو صعوبة مسلك ، وأصحاب الحديث ، يعني ممن قال بها ، لا زالوا يتجشمون المصاعب ، ويركبون الأهوال في الارتحال أخذا بما حث عليه صلى الله عليه وسلم ، ولم يقعدهم اعتمادها عن ذلك . وكلام السلفي الماضي يساعده .

ونحوه قول بعض المتأخرين : إنها ملازمة في مقام المنع لبقاء الرحلة من جهة تحصيل المقام الذي هو أعلى من الإجازة في التحمل . نعم ، قد زاد الركون الآن إليها ، وكاد أن لا يؤخذ بالسماع ونحوه الكثير من الأصول المعول عليها ; لعدم تمييز السامع من المجاز ، أو للخوف من النسبة للتعجيز ; حيث لم يكن للرواية قد حاز ، بل قد توسع في الإذن لمن لم يتأهل بالإفتاء والتدريس ، واستدرج للخوض في ذلك الإيهام والتلبيس ، وكثر المتسمون بالفقه والحديث وغيرهما [ ص: 232 ] من العلوم من ضعفاء الأحلام والفهوم ، فالله يحسن العاقبة . وإما لتضمنها حمل العلم لمن ليس من أهله ، ولا عرف بخدمته وحمله ، كما دل عليه امتناع مالك من إجازة من هذه صفته ، وقوله : يحب أحدهم أن يدعى قسا ولما يخدم الكنيسة . يعني بذلك كما قال الخطيب : إن الرجل يحب أن يكون فقيه بلده ومحدث مصره من غير أن يقاسي عناء الطلب ومشقة الرحلة ; اتكالا على الإجازة ، كمن أحب من رذال النصارى أن يكون قسا ، ومرتبته لا ينالها الواحد منهم إلا بعد استدراج طويل ، وتعب شديد - انتهى .

وقد عبر بعضهم عن هذا المعنى بقوله : أتحب أن تتزبب قبل أن تتحصرم . ونحوه قول مالك أيضا : تريد أخذ هذا العلم الكثير في الوقت اليسير ، أو نحو ذلك . وكل هذا موافق لمشترط التأهل حين الإجازة ، كما سيأتي المسألة في النوع السابع ، وفي لفظ الإجازة وشرطها . وما حكاه أبو نصر عمن لم يسمعه لا ينهض دليلا على البطلان ، بل هو عين النزاع .

وكذا ما قاله الدباس وابن حزم ليس بمرضي ; لما علم من رده مما تقدم ، وأيضا فلم يقل أحد بصحة الرواية بها قبل ثبوت الخبر عن المجيز ، ولا بدون شروط الرواية ، بل قيد إمام الحرمين كما تقدم الصحة بتحقق الحديث في الأصل ، وهو اختيار الغزالي في المستصفى .

وكذا قيد البرقاني الصحة بمن كانت له نسخة منقولة من الأصل أو مقابلة به ، وإطلاق الحربي المنع - كما قال الخطيب - محمول على من لم يكن كذلك ; [ ص: 233 ] لقول الجلاب راوي ما تقدم عنه : قلت له : سمعت كتاب الكلبي وقد تقطع علي ، والذي هو عنده يريد الخروج ، فهل ترى أن أستجيزه أو أسأله أن يكتب به إلي ؟ قال : الإجازة ليست بشيء ، سله أن يكتب به إليك .

و ( كذا ) المعتمد ( وجوب العمل ) والاحتجاج بالمروي ( بها ) ممن يسوغ له ذلك عند الجمهور ; لأنه خبر متصل الرواية ، فوجب العمل به كالسماع إلا لمانع آخر ( وقيل ) ، وهو قول أهل الظاهر ومن تابعهم : ( لا ) يجب العمل به ( كحكم ) الحديث ( المرسل ) .

قال ابن الصلاح : وهذا باطل ; لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها ، ولا في الثقة به ، بخلاف المرسل ، فلا إخبار فيه البتة . وسبقه الخطيب فقال : كيف يكون من نعرف عينه وأمانته وعدالته بمنزلة من لا نعرفه ، قال : وهذا واضح لا شبهة فيه .

تتمة : هل يلتحق بذلك الإجازات بالقراءات ؟ الظاهر نعم ، ولكن قد منعه أبو العلاء الهمداني الآتي في النوع الثالث قريبا ، وأحد أئمة القراء والحديث ، وبالغ حيث قال : إنه كبيرة من الكبائر ، وكأنه حيث لم يكن الشيخ أهلا ; لأن فيها أشياء لا تحكمها إلا المشافهة ، وإلا فما المانع منه على سبيل المتابعة ، إذا كان قد أحكم القرآن وصححه كما فعله أبو العلاء نفسه ، حيث يذكر سنده بالتلاوة ثم يردفه بالإجازة ، إما للعلو أو المتابعة والاستشهاد ، بل ( سوق العروس ) لأبي معشر الطبري شيخ مكة [ ص: 234 ] مشحون بقوله : كتب إلي أبو علي الأهوازي وقد قرأ بمضمونه ، ورواه الخلق عنه من غير نكير ، وأبلغ منه رواية الكمال الضرير شيخ القراء بالديار المصرية - القراءات بكتاب ( المستنير ) لأبي طاهر بن سوار ، عن الحافظ السلفي بالإجازة العامة ، وتلقاه الناس خلفا عن سلف ، أفاده ابن الجزري .

التالي السابق


الخدمات العلمية