الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

458 - والرابع الجهل بمن أجيز له أو ما أجيز ، كأجزت أزفله      459 - بعض سماعاتي كذا إن سمى
كتابا أو شخصا وقد تسمى      460 - به سواه ، ثم لما يتضح
مراده من ذاك فهو لا يصح      461 - أما المسمون مع البيان
فلا يضر الجهل بالأعيان      462 - وتنبغي الصحة إن جملهم
من غير عد وتصفح لهم

( و ) النوع ( الرابع ) من أنواع الإجازة : ( الجهل بمن أجيز له ) من الناس ( أو ) ب ( ما أجيز ) به من المروي ، فالأول ( كأجزت ) بعض الناس ، أو ( أزفله ) بفتح الهمزة وإسكان الزاي وفتح الفاء ثم لام مفتوحة وهاء التأنيث ، الجماعة من الناس . والثاني : كأجزت فلانا ( بعض سماعاتي ) ، و ( كذا ) من هذا النوع مما هو جهل بالتعيين ( إن سمى ) المجيز ( كتابا أو ) بالنقل ( شخصا وقد تسمى به ) أي : بذاك الكتاب أو الشخص .

( سواه ) ، مثل أن يقول : أجزت لك أن تروي عني كتاب السنن ، وفي مروياته عدة كتب يعرف كل منها بالسنن ; كأبي داود والدارقطني والبيهقي وغيرهم ، أو يقول : أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري ، وفي ذلك الوقت جماعة مشتركون في هذا الاسم ، وقد تكون الجهالة فيهما معا ، كأن يقول : أجزت جماعة بعض مسموعاتي ، أو أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري كتاب السنن .

( ثم لما ) أي : لم ( يتضح مراده ) أي : المجيز ( من ذاك ) كله بقرينة ( فهو ) أي : هذا النوع ( لا يصح ) للجهل في هذه الصور كلها عند السامع ، وعدم التمييز فيه ، وكونه مما لا سبيل لمعرفته وتمييزه .

وممن صرح بذلك في الصورة الأولى عياض ، فقال : قوله : أجزت لبعض الناس ، أو لقوم ، أو لنفر لا غير ، لا تصح الرواية به ، ولا تفيد هذه الإجازة ; إذ لا [ ص: 251 ] سبيل إلى معرفة هذا المبهم ولا تعيينه .

وصرح ابن الصلاح في الصورة الثانية بقوله : فهذه إجازة فاسدة لا فائدة فيها . وكذا جزم النووي بعدم الصحة فيها في زوائد الروضة عقب آداب القضاء قبيل القضاء على الغالب في مستند قضائه . نعم ، إن اتضح مراده فيها بقرينة كأن يقال له : أجزت لمحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري ؟ بحيث لا يلتبس مع غيره ممن اشترك معه في اسمه واسم أبيه ونسبته ، فيقول : أجزت لمحمد بن عبد الله الأنصاري ، أو يقال له : أجزت لي كتاب السنن لأبي داود ؟ فيقول : أجزت لك رواية السنن ، أو يقال له : أجزت للجماعة المقيمين بمسجد كذا ؟ فيقول : أجزت الجماعة ، فالظاهر صحة هذه الإجازة ، وينزل على المسئول فيه بقرينة سبق ذكره .

( أما ) الجماعة ( المسمون ) المعينون في استدعاء أو غيره ( مع البيان ) لأنسابهم وشهرهم ، بحيث يزول الاشتباه عنهم ، ويتميزون من غيرهم على العادة الشائعة في ذلك ( فلا يضر ) والحالة هذه ( الجهل ) من المجيز ( بالأعيان ) ، وعدم معرفته بهم ، والإجازة صحيحة ، كما أنه لا يشترط معرفة المسمع عين السامع الذي سمع منه ، وإن أشعر ما حكيته في سابع التفريعات التي قبل الإجازة عن بعضهم بخلافه ; إذ لا فرق بين السامع والمسمع في ذلك ، وكذا الواحد المسمى المعين ممن يجهل المجيز عينه من باب أولى . وممن نص على أنه لا تضر [ ص: 252 ] جهالته عين من سمى له عياض .

( وتنبغي الصحة إن جملهم ) أي : جمعهم بالإجازة ( من غير ) حصر في ( عد ، و ) من غير ( تصفح لهم ) واحدا واحدا ; قياسا على السماع ، وإن توقف بعضهم في القياس من أجل أنه لا يلزم من كون قسم السماع لم يتأثر بذلك أن تكون الإجازة كذلك ; لإمكان ادعاء القدح في الإجازة دون السماع ، فالقياس ظاهر ; لأنه إذا صح في السماع الذي الأمر فيه أضيق ; لكونه لا يكون لغير الحاضر مع الجهل بعينه ، فصحته مع ذلك في الإجازة التي الأمر فيها أوسع ; لكونها للحاضر وللغائب ، من باب أولى .

ثم إنه قد نوزع في الفرق بين الصورة الأولى من هذا النوع ، وهي من لم يسم أصلا ، وبين من سمي في الجملة مما بعدها مع اشتراك الكل في الإبهام .

والجواب أن الاشتراك إنما هو في مطلق الجهالة والإبهام ، وإلا فهو في ذاك شديد ; لخفائه عن كل أحد ، بخلافه هنا فهو عند سامعه فقط ، ولا يلزم من الحكم بشيء في قوي وصف الحكم بمثله في ضعيف ذلك الوصف ، [ وإن كان الظن بالمجيز معرفته في الأولى ; لتعذر البحث عن تعيينه ] ، وكذا بحث بعضهم في صحته في الأولى حملا له على العموم ، يعني حيث صححنا الإجازة العامة ; إذ اللفظ صالح ، ولا مانع من حمله عليه ، وفيه نظر ; إذ لم نستفد تعيين الجماعة بخلاف العموم ، ولكن قد ذكر ابن الصلاح في فتاواه فيما إذا قالت المرأة : أذنت للعاقد بهذا البلد أن يزوجني ، ولم تقم قرينة على إرادة واحد معين ، أنه يجوز لكل عاقد أن يزوجها ، وقد يفرق بينهما [ بجهالة الجماعة لتنكيرها بخلاف العاقد ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية