الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

470 - والسادس الإذن لمعدوم تبع كقوله : أجزت لفلان مع      471 - أولاده ونسله وعقبه
حيث أتوا أو خصص المعدوم به      472 - وهو أوهى ، وأجاز الأولا
ابن أبي داود ، وهو مثلا      473 - بالوقف ، لكن أبا الطيب رد
كليهما وهو الصحيح المعتمد      474 - كذا أبو نصر وجاز مطلقا
عند الخطيب ، وبه قد سبقا      475 - من ابن عمروس مع الفراء
وقد رأى الحكم على استواء      476 - في الوقف أي في صحة من تبعا
أبا حنيفة ومالكا معا

( و ) النوع ( السادس ) من أنواع الإجازة : ( الإذن ) أي : الإجازة ( لمعدوم ) ، وهو على قسمين ، إما لمعدوم ( تبع ) لموجود عطف عليه أو أدرج فيه ( كقوله : أجزت ) الكتاب الفلاني أو مروياتي ( لفلان ) الفلاني ( مع أولاده ونسله وعقبه حيث أتوا ) في حياة المجيز وبعده ، وكذا : أجزت لك ، ولمن يولد لك ، ولطلبة العلم ببلد كذا متى كانوا ، [ ( أو ) غير تبع بأن ] ( خصص ) المجيز ( المعدوم به ) أي : بالإذن ، ولم يعطفه على موجود سابق ، كقوله : أجزت لمن يولد لفلان الفلاني ، [ ص: 260 ] وهذا القسم الثاني ( وهو أوهى ) وأضعف من الذي قبله ، وذاك أقرب إلى الجواز ( و ) لذا ( أجاز الأولا ) خاصة ( ابن ) الحافظ الشهير ( أبي داود ) السجستاني ، وهو الحافظ أبو بكر عبد الله ، بل فعله فقال : أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة .

قال الخطيب : يعني الذين لم يولدوا بعد ، قال : ولم أجد لأحد من الشيوخ المحدثين في ذلك قولا ، ولا بلغني عن المتقدمين سواه فيه رواية .

قال البلقيني : ويحتمل أن ذلك وقع منه على سبيل المبالغة وتأكيد الإجازة ، لا أنه أراد حقيقة اللفظ .

قلت : لكن قد عزى شيخنا لأبي عبد الله بن منده استعمالها ، وابن الصباغ جوازها لقوم ( وهو مثلا ) أي : شبه ( بالوقف ) على المعدوم حيث صح فيما كان معطوفا على موجود كما قال به أصحاب الشافعي ، وكذا بالوصية عن الشافعي نفسه ; فإنه في وصيته المكتتبة في الأم أوصى فيها أوصياء على أولاده الموجودين ، ومن يحدثه الله له من الأولاد ، ولا شك أن يغتفر في التبع والضمن ما لا يغتفر في الأصل ، أما الوقف على المعدوم ابتداء ، كعلى من سيولد لفلان ، فلا على المذهب ; لأنه منقطع الأول ، و ( لكن ) القاضي ( أبا الطيب ) طاهرا الطبري ( رد كليهما ) أي : القسمين مطلقا فيما حكاه عنه صاحبه الخطيب الحافظ ، [ ص: 261 ] وكذا منعه الماوردي فيما حكاه عياض ( وهو الصحيح المعتمد ) الذي لا ينبغي غيره ; لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز على ما قرر في النوع الأول ، فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له ، بل ولو قدرنا أن الإجازة إذن لا يصح ذلك أيضا كالوكالة للمعدوم ; لوقوعه في حالة يتعذر فيها المأذون فيه من المأذون له .

وأيضا فكما قال بعض المتأخرين : يلزم من الجواز أن يتصل الرواية في بعض صور هذا النوع بين شخصين في السند من غير واسطة ولا لقي ولا إدراك عصر ، ومثل هذا غير معقول ، وساقط عن درجة الاعتبار ، ولم نر من صرح باستثناء هذه الصورة ، وعلى كل حال فهو مما يتقوى به الرد ، و ( كذا ) ردها ( أبو نصر ) هو ابن الصباغ ، وبين بطلانها ، وقال : إنما ذهب إليه من يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة ، يعني : فلا يشترط فيه الوجود ، وقد تقدم قريبا رده وإن قلنا : إنها إذن ( و ) لكن ( جاز ) الإذن للمعدوم ( مطلقا عند ) الحافظ أبي بكر ( الخطيب ) ، قياسا على صحة الإجازة كما قاله عياض ; فإنه قال : وإذا صحت الإجازة مع عدم اللقاء ، وبعد الديار ، وتفرق الأقطار فكذلك مع عدم اللقاء ، وبعد الزمان ، وتفرق الأعصار .

وخرجه بعض المتأخرين من المغاربة على مذهب الجمهور وأهل الحق في جواز تعلق الأمر بالمعدوم خلافا للمعتزلة ، قال : وإذا جاز فيه فهنا أولى وأحرى . وفي القياس توقف ، ثم إن ما ذكر في استلزامه رواية الرواية عمن يدركه ولا عاصره قد أشار إليه الخطيب ; فإنه قال : فإن قيل : كيف يصح أن يقول : أجاز فلان لي ، ومولده بعد موت المجيز بزمان بعيد ، قيل : كما يجوز أن يقول : [ ص: 262 ] وقف فلان علي ، وإن كان موت الواقف قبل مولده بزمان بعيد ، ولأن بعد أحد الزمانين من الآخر كبعد أحد الوطنين من الآخر ، فلو أجاز من مسكنه بالشرق لمن يسكن بالغرب صح وجاز أن يقول المجاز له : أجاز لي فلان ، وإن لم يلتقيا ، فكذلك إذا أجاز لمن يولد بعده يجوز أن يقول : أجاز لي فلان ، وإن لم يتعاصرا . وفيه نظر ; فإن عدم الاجتماع في الزمان يلزم في المكان ، ولا عكس ، وكأنه نظر إلى أن المقصود بلوغ الخبر بالإذن ، وهو حاصل فيهما ( وبه ) أي : بالجواز مطلقا ( قد سبقا ) أي : الخطيب ( من ) جماعة ( كابن عمروس ) المالكي ( مع ) أبي يعلى بن ( الفراء ) الحنبلي ، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني الحنفي وأبي الطيب الطبري الشافعي فيما سمعه منه الخطيب قديما قبل أن يقول ما تقدم ، وكذا أجازه غيره من الشافعية ، بل قال عياض : إنه أجازه معظم الشيوخ المتأخرين ، قال : وبهذا استمر عملهم بعد شرقا وغربا - انتهى .

وجزم شيخنا بأنه لا يعرف في المشارقة ، وبعدم الصحة في القسم الثاني ، وبأنه الأقرب في الأول أيضا ( وقد رأى الحكم على استواء في الوقف أي في صحة ) أي : رأى صحة الوقف في القسمين معظم ( من تبعا أبا حنيفة ) بالصرف [ وبعدمه ، لكن مع الخبل ] ( ومالكا ) رحمهما الله . . . . . . . . . . . . . [ ص: 263 ] ( معا ) ، فيلزمهم القول به في الإجازة من باب أولى ; لأن أمرها أوسع من الوقف الذي هو تصرف مالي ، إلا أن يفرقوا بين البابين بأن الوقف ينتقل إلى الثاني عن الأول ، وإلى الثالث عن الثاني ، بخلاف الإجازة ، فهي حكم يتعلق بالمجيز والمجاز له حسب ما حكاه الخطيب عن بعض أصحابه ، ونحوه ما قيل : إن الوقف يئول غالبا إلى المعدوم حين الإيقاف بخلاف الإجازة ، لا سيما وقد سلف عن أبي حنيفة القول ببطلان أصل الإجازة ، وتبعه من مقلديه الدباس ، وكذا أبو يوسف في أحد القولين ، وهو أشهرهما عن مالك ، [ ولكن المعتمد إلحاق ما بعد البطن الأول به في التلقي من الواقف . وفي الفرق الثاني نظر ، وقد قال الخطيب : إنه لا فرق بينهما عندي ، وقد صنف في هذه المسألة جزءا .

التالي السابق


الخدمات العلمية