الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

452 - والثالث التعميم في المجاز له وقد مال إلى الجواز      453 - مطلقا الخطيب وابن منده
ثم أبو العلاء أيضا بعده      454 - وجاز للموجود عند الطبري
والشيخ للإبطال مال فاحذر      455 - وما يعم مع وصف حصر
كالعلما يومئذ بالثغر      456 - فإنه إلى الجواز أقرب
قلت : عياض ، قال : لست أحسب      457 - في ذا اختلافا بينهم ممن يرى
إجازة لكونه منحصرا

والنوع ( الثالث ) من أنواع الإجازة : ( التعميم في المجاز له ) ، سواء عين المجاز به أو أطلق ، كأن يقول إما بخطه ولفظه أو بأحدهما : أجزت للمسلمين ، أو لكل أحد ، أو لمن أدرك زماني ، أو نحو ذلك ، الكتاب الفلاني أو مروياتي .

( وقد ) تكلم في هذا النوع المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة ، واختلفوا فيه ( فمال ) أي : ذهب ( إلى الجواز مطلقا ) ، سواء الموجود حين الإجازة أو بعدها ، وقبل وفاة المجيز ، قيد بوصف حاصر كأهل الإقليم الفلاني ، أو من دخل بلد كذا ، أو من وقف على خطي ، أو من ملك نسخة من تصنيفي هذا ، أو نحو ذلك ، أو لم يقيد كأهل لا إله [ ص: 236 ] إلا الله ، الحافظ أبو بكر ( الخطيب ) فإنه اختار فيما إذا أجاز لجماعة المسلمين الصحة متمسكا بأحد القولين للشافعية في الوقف على المجهول ، ومن لا يحصى كبني تميم وقريش الذي جنح إلى كونه أظهر القولين عنده ، وهو الأصح قياسا على الفقراء والمساكين ; إذ كل من جاز عليه الوقف إذا أحصى وجب أن يجوز عليه وإن لم يحص ، كما قرر ذلك في مصنفه في الإجازة للمجهول والمعدوم .

وممن صحح الوقف كذلك المالكية وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، وقالوا : ومن جاز الوقف منهم فهو أحق به . وكذا جوز هذا النوع جماعة ( و ) مال إليه الحافظ أبو عبد الله ( ابن منده ) فإنه أجاز لمن قال : لا إله إلا الله .

( ثم ) الحافظ الثقة ( أبو العلاء ) الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الهمداني العطار جوزه ( أيضا بعده ) أي : بعد ابن منده ، حسبما نسبه إليه ، بل وإلى غيره ، الحافظ أبو بكر الحازمي ; إذ سأله أبو عبد الله محمد بن سعيد الدبيثي عن الرواية بها ، فإنه قال له : لم أر في اصطلاح المتقدمين من ذلك شيئا ، غير أن نفرا من المتأخرين استعملوا هذه الألفاظ ، ولم يروا بها بأسا ، ورأوا أن التخصيص والتعميم في هذا سواء .

وقالوا : متى عدم السماع الذي هو مضاه للشهادة ، فلا معنى للتعيين ، قال : ومن أدركت من الحفاظ نحو أبي العلاء ، يعني العطار ، وغيره كانوا يميلون إلى الجواز ، وفيما كتب إلينا الحافظ أبو طاهر السلفي من الإسكندرية في بعض [ ص: 237 ] مكاتباته أجاز لأهل بلدان عدة ، منها بغداد ، وواسط ، وهمدان ، وأصبهان ، وزنجان - انتهى .

وأجاز أبو محمد عبد الله بن سعيد الشنتجاني ، أحد الجلة من شيوخ الأندلس ، لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم ، ووافقه على ذلك جماعة ، منهم صاحبه أبو عبد الله بن عتاب ، حكاه عنهما عياض ، وقال غيره : إن أولهما أجاز ( صحيح مسلم ) لكل من أراد حمله عنه من جميع المسلمين ، وكان سمعه من السجزي بمكة ، ثم قال عياض : وإلى صحة الإجازة العامة للمسلمين ، من وجد منهم ومن لم يوجد ، ذهب غير واحد من مشايخ الحديث .

( و ) كذا ( جاز ) التعميم في الإجازة ( للموجود ) حين صدورها خاصة ( عند ) القاضي أبي الطيب طاهر ( الطبري ) فيما نقله عنه صاحبه الخطيب في تصنيفه المشار إليه ، فإنه قال : وسألته عن هذه المسألة ، فقال لي : يجوز أن يجيز لمن كان موجودا حين إجازته من غير أن يعلق ذلك بشرط أو جهالة ، سواء كانت الإجازة بلفظ خاص ; كأجزت لفلان وفلان ، أم عام ; كأجزت لبني هاشم وبني تميم ، ومثله إذا قال : أجزت لجماعة المسلمين ; فإن الحكم عند القاضي أبي [ ص: 238 ] الطيب في ذلك سواء إذا كانت الإجازة لموجود - انتهى .

ومن الأدلة لذلك سوى ما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : ( ( بلغوا عني ) ) الحديث . وقد قوى الاستدلال به البلقيني ، ومنع الاستدلال بما رواه ابن سعد في الطبقات من حديث أبي رافع أن عمر رضي الله عنه لما احتضر قال : من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله ، بأن العتق النافذ لا يحتاج إلى ضبط وتحديث وعمل بخلاف الإجازة ، ففيها ذلك . ووجهه بعضهم باشتراكهما في أن كلا منهما يستدعي تعيين المحل وتشخيصه ، ضرورة أن الراوي بالإجازة لا يجوز أن يكون مآله الوحدة النوعية ، بل مآله الوحدة الشخصية .

وكذلك ما ينفذ فيه العتق ويصح فيه وليس بشيء ، وعلى كل حال فقد قال الحازمي : إن التوسع بها في هذا الشأن غير محمود ، فمهما أمكن العدول عنه إلى غير هذا الاصطلاح ، أو تهيأ تأكيده بمتابع له سماعا أو إجازة خاصة ، كان ذلك أحرى . بل الذي اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور كما وجده المنذري بخطه ، منع الرواية بها وعدم التعريج عليها ، قال : والإتقان تركها . وذهب الماوردي - كما حكاه عياض - إلى المنع أيضا في المجهول كله من المسلمين أو طلبة العلم ، من وجد منهم ومن لم يوجد .

( و ) كذا ( الشيخ ) ابن الصلاح ( للإبطال ) أيضا ( مال ) ، حيث قال : ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ، ولا عن الشرذمة المستأخرة [ ص: 239 ] الذين سوغوها ، والإجازة في أصلها ضعيفة ، وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله ، [ وعلى هذا ] ( فاحذر ) أيها الطالب استعمالها رواية وعملا .

وقد أنصف ابن الصلاح في قصره النفي على رؤيته وسماعه ; لأنه قد استعملها جماعات ممن تقدمه من الأئمة المقتدى بهم ، كالحافظ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الفقيه ، فقد قال أبو القاسم هبة الله بن المحسن المقدسي الفقيه فيما سمعه منه السلفي كما في معجم السفر له : إنه سأله الإجازة ، فقال : قد أجزت لك ، ولكل من وقع بيده جزء من رواياتي فاختار الرواية عني .

وكالحافظ أبي محمد الكتاني ; فإن صاحبه أبا محمد بن الأكفاني دخل عليه في مرضه فقال له : أنا أشهدكم أني قد أجزت لكل من هو مولود الآن في الإسلام يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . وروى عنه بهذه الإجازة محفوظ بن صصرى التغلبي .

[ ص: 240 ] وكالحافظ السلفي حيث حدث بها عن ابن خيرون فيما قاله ابن دحية وغيره ، وهو وإن استفيد من كلام الحازمي الذي صنيع ابن الصلاح مشعر باقتفائه ، فلعله لم يستحضره . بل عزى تجويزها والرواية بها أيضا لغير واحد من الحفاظ ، الحافظ عبد الغني بن سعيد ، وحدث بها أيضا الحافظ أبو بكر محمد بن خير الأشبيلي المالكي في برنامجه الشهير ، وابن أبي المعمر في كتاب ( علوم الحديث ) عن السلفي ، وكذا أبو العلاء العطار المذكور عن أبي بكر الشيروي فيما أفاده الرافعي ، بل حدث بها الرافعي نفسه في تأريخ قزوين عن السلفي ، وقال : إنه أجاز لمن أدرك حياته في سنة سبع وستين وخمسمائة .

ولما ترجم الوزير بن بنيمان بن علي السلمي القزويني في تأريخه قال : إنه شيخ مستور معمر ، ذكر أنه كان ابن خمس أو ست حين كانت الزلزلة بقزوين في رمضان سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، فتناولته إجازة الشيروي العامة ; لأنه مات سنة عشر ، فقرأت عليه سنة ستمائة أحاديث مخرجة من مسموعات الشيروي - انتهى .

وحدث بها أبو الخطاب بن دحية في تصانيفه عن أبي الوقت والسلفي ، [ ص: 241 ] واستعملها خلق بعد ابن الصلاح ، كأبي الحسن الشيباني القفطي ، حدث في تأريخ النحاة بها عن السلفي ، وأبي القاسم بن الطيلسان حدث بها عن أبي جعفر وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مضاء الجياني ، والحافظ الدمياطي حدث بها عن المؤيد الطوسي وغيره ، وعبد الباري الصعيدي حدث بها عن الصفراوي بمشيخته وأبي جعفر بن الزبير والتقي ابن دقيق العيد ، والعماد ابن كثير حيث حدث بها عن الدمياطي عن المؤيد عامة [ عن عامة ] ، والزين العراقي المصنف حدث في الأربعين العشاريات [ ص: 242 ] له عن أبي محمد عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل الزهري العوفي عن سبط السلفي إذنا عاما ، وولده الولي العراقي حدث عن اثنين من شيوخه ممن دخل في عموم إجازة النووي ، وهو - أعني النووي رحمه الله - ممن صحح جوازها في زيادات الروضة في الطرف الثاني في مستند قضاء القاضي من الباب الثاني من جامع آداب القضاء بعد أن ذكر أن من صورها أن يقول : أجزت لكل أحد أن يروي . قال : وبه قطع القاضي أبو الطيب الطبري وصاحبه الخطيب البغدادي ، وغيرهما من أصحابنا ، وغيرهم من الحفاظ .

ونقل الحافظ أبو بكر الحازمي المتأخر من أصحابنا ، يعني كما تقدم أن الذين أدركهم من الحفاظ كانوا يميلون إلى جوازها ، وصححه أيضا في غير الروضة من تصانيفه .

وكذا رجح جوازها أبو عمرو بن الحاجب ، والعز بن جماعة وقال : إنه - أي : جواز الرواية ووجوب العمل بالمروي - بها ألحق .

وعمل بها النووي ; فإنه قال - كما قرأته بخطه - في آخر بعض تصانيفه : وأجزت روايته لجميع المسلمين . وأجازها أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون الباقلاني البغدادي ، وأبو الوليد بن رشد المالكي وغيرهما ، وأجاز لمن أدرك حياته أبو جعفر [ ص: 243 ] أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء الماضي ، وأبو الحسين عبيد الله بن أبي الربيع القرشي ، والقطب محمد بن أحمد بن علي القسطلاني ، وأبو الحجاج المزي الحافظ ، وكتب بذلك خطه في آخر بعض تصانيفه ، والفخر بن البخاري ، وأبو المعالي الأبرقوهي ، وخلق من المسندين كالحجار وزينب ابنة الكمال ، حتى إنه لكثرة من جوزها أفردهم الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي البدر البغدادي الكاتب في تصنيف رتبهم فيها على حروف المعجم ، وكذا جمعهم أبو رشيد بن الغزال الحافظ في كتاب سماه : ( الجمع المبارك ) . أفاده أبو العلاء الفرضي ، وذكر منهم حيدر بن أبي بكر بن حيدر القزويني .

[ ص: 244 ] وقال النووي مشيرا لتعقب ابن الصلاح في كونه لم ير من استعملها ، حتى ولا من سوغها ، حسبما تقدم : إن الظاهر من كلام من صححها جواز الرواية بها ، وهذا مقتضى صحتها ، وأي فائدة لها غير الرواية - انتهى .

واستجاز بها خلق لا يحصون كثرة ، منهم أبو الخطاب بن واجب ; فإنه سأل أبا جعفر بن مضاء الإجازة العامة في كل ما يصح إسناده إليه على اختلاف أنواعه لجميع من أراد الرواية عنه من طلبة العلم الموجودين حينئذ ، فأسعفهم بها ، وأبو الحسن محمد بن أبي الحسن الوراق ; فإنه سأل أبا الوليد بن رشد الإجازة لكل من أحب الحمل عنه من المسلمين حيث كانوا ممن ضمته وأباه حياة في عام الإجازة ، فأجابه لذلك كما حكاه ابن خير .

ودعا الحافظ المزكي المنذري الناس لأخذ البخاري عن أبي العباس بن تامتيت بالإجازة العامة ، فأخذه عنه خلق كثيرون ، وسمع بها الحافظ المزي والبرزالي والذهبي وغيرهم على الركن الطاووسي بإجازته العامة من أبي جعفر الصيدلاني [ ص: 245 ] وغيره .

وكذا لما قدم الصدر أبو المجامع إبراهيم بن محمد بن المؤيد الحموي بعيد السبعمائة اجتمع عليه الحفاظ والمحدثون ، وسمعوا منه بإجازته العامة من الصيدلاني أيضا .

وقرأ الصلاح أبو سعيد العلائي الحافظ على الحجار بإجازته العامة من داود بن معمر بن الفاخر ، والبرهاني الحلبي على بعض رفقائه في السفينة بالقرب من جامع تنيس الذي خرب ، بإجازته العامة من الحجار ، والمحدث الرحال أبو جعفر البسكري المدني على التقي محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني بإجازته العامة من الدمياطي ، والصلاح خليل الأقفهسي الحافظ وغيره على زينب ابنة محمد بن عثمان بن العصيدة بإجازتها العامة من الفخر وزينب ابنة مكي [ ص: 246 ] ونحوهما ، [ وروى بها ابن الجزري عن الميدومي وغيره ، بل حكى اتفاق من أدركه من شيوخ الحديث والعلماء والحفاظ ; حيث لم يتوقف أحد منهم في الكتابة على ما أسند عامة المتضمنة الاستجازة لأهل العصر ] .

وسمع شيخنا من الزين محمد بن أحمد بن سليمان الفيشي ، عرف بالمزجاني ، بإجازته العامة من الدمياطي ، ومن إسماعيل بن إبراهيم الزبيدي الداعية بإجازته العامة من البهاء أبي محمد بن عساكر ، والحافظ الجمال بن موسى المراكشي وغيره من سليمان بن خالد الخضري الإسكندري بها بإجازته العامة من الفخر بن البخاري ، وصاحبنا النجم بن فهد الهاشمي وغيره من أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل الزاهدي الدمشقي بها بإجازته من [ ص: 247 ] زينب ابنة الكمال في آخرين من المحدثين وغيرهم . غير أنه اغتفر في الطلب ما لم يغتفر في الأداء ، بحيث إن أهل الحديث يقولون : إذا كتبت فقمش ; أي : جمع ما وجدت ، وإذا حدثت ففتش ; أي : تثبت عند الرواية .

وعلى كل حال ، فقد قال الشارح مع كونه كما قدمت ممن روى بها : وفي النفس من ذلك شيء ، وأنا أتوقف عن الرواية بها ، وقال في نكته : والاحتياط ترك الرواية بها ، بل نقل شيخنا عدم الاعتداد بها عن متقني شيوخه ، ولم يكن هو أيضا يعتد بها ، حتى ولو كان فيها بعض خصوص ، كأهل مصر ; اقتناعا بما عنده من السماع والإجازة الخاصة ، ولا يورد في تصانيفه بها شيئا ، ويرى هو وشيخه أن الرواية بإسناد تتوالى فيه الأجايز ، ولو كان جميعه كذلك ، أولى من سند فيه إجازة عامة ، كما سيأتي في النوع التاسع .

وقال في توضيح النخبة له : إن القول بها توسع غير مرضي ; لأن الإجازة الخاصة المعينة مختلف في صحتها اختلافا قويا عند القدماء ، وإن كان العمل استقر على اعتبارها عند المتأخرين ، فهي دون السماع بالاتفاق ، فكيف إذا حصل فيها الاسترسال المذكور ; فإنها تزداد ضعفا ، لكنها في الجملة خير من إيراد الحديث معضلا .

قلت : والحجة للمبطلين أنها إضافة إلى مجهول ، فلا تصح كالوكالة .

وبالجملة ، فلم تطب نفسي للأخذ بها ، فضلا عن الرواية ، لا سيما وأكثر من لقيناه ممن يدعي التعمير ، أو يدعى له ، فيه توقف ، حتى إن شخصا من أعيانهم له [ ص: 248 ] تقدم في علوم زعم أنه جاز المائة بثلاثين فأزيد ، وازدحم عليه من لا تمييز له ، بل ومن له شهرة بينهم في هذا الشأن ، ثم حققت لهم أنه نحو الثمانين فقط .

ونحوه ما اتفق أن شخصا كان يقال له : إبراهيم بن حجي الخليلي ممن توفي بعد الثلاثين وثماني مائة ، ادعى أن مولده سنة خمس وعشرين ، وقرأ عليه بعض الطلبة بإجازته من الحجار ونحوه ، مع طعن الحافظ التقي الفاسي عليه في دعواه .

وأما الرواية ، فعندي بحمد الله من المسموع والإجازة الخاصة ما يغني عن التوسع بذلك .

نعم ، قد دخلت في إجازة خلق من المعتبرين ، هي إلى الخصوص أقرب ، وهي الاستجازة لأبناء صوفية الخانقاه البيبرسية ، وكنت إذ ذاك منهم ، فأوردتهم في معجمي مع تمييزهم عن غيرهم ; لاحتمال الاحتياج إليهم أو إلى أحدهم ، وغالب الظن أن من يصحح الإجازة الخاصة خاصة لا يتوقف في هذا .

وقد صرح ابن الصلاح بقوله : ( وما يعم مع وصف حصر كالعلما ) بالقصر ، الموجودين ( يومئذ ) أي : يوم الإجازة ( بالثغر ) دمياط أو إسكندرية أو صيدا أو غيرها [ أو نحو ذلك ] ، كأجزت لمن ملك نسخة من التصنيف الفلاني ( فإنه ) في هذه الصورة ( إلى الجواز أقرب ) ، هذا وإن لم يصرح فيه [ ص: 249 ] بتصحيح فقد عمل به ، حيث أجاز رواية علوم الحديث من تصنيفه عنه لمن ملك منه نسخة ، ونحوه قول الفقيه أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي لمن سأله الإجازة كما تقدم : أجزت لك ولكل من وقع بيده جزء من رواياتي فاختار الرواية عني ، وكذا أجاز أبو الأصبغ بن سهل القاضي لكل من طلب عليه العلم ببلده .

( قلت ) : ( وعياض ) [ سبق ابن الصلاح ] ف ( قال : لست أحسب ) أي : أظن ( في ) جواز ( ذا ) أي : الإجازة لمن هو الآن من طلبة العلم ببلد كذا ، أو لمن قرأ علي قبل هذا ( اختلافا بينهم ) أي : العلماء ( ممن يرى إجازة ) أي : يعتمد الإجازة الخاصة رواية وعملا ، ولا رأيت منعه ; أي : بخصوصه لأحد ; ( لكونه منحصرا ) موصوفا ، كقوله : لأولاد فلان أو إخوة فلان - انتهى .

وكذا جزم به شيخنا في أولاد فلان ونحوه ، وسبقه ابن الجزري فقال : وقع لنا وقت الطلب استدعاءات فيها أسماء معينة ، وفي بعضها : ولفلان وأولاده الموجودين يومئذ ، وفي بعضها : ولفلان وإخوته الموجودين في تأريخ الاستدعاء ، وأدركنا جماعة من هؤلاء الذين كانوا موجودين فسمعنا منهم بهذه الإجازة ، ولم ينكر ذلك أحد من أئمتنا ، وأجري مجرى من هو مسمى ، وفي نفسي أنه دونه - انتهى .

وحينئذ ، فكل ما قل فيه العموم بالقرب من الخصوص الحقيقي ; لوجود الخصوص الإضافي فيه ، يكون أقرب إلى الجواز من غيره ، ويلتحق بذلك : أجزت [ ص: 250 ] لأهل السنة أو الشيعة أو الحنفية أو الشافعية ، فهو أخص من جميع المسلمين ، وأقل انتشارا ; لانحصار المجاز بالصفة الخاصة مع العموم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية