الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإن ) ( لبس ثوبا مخيطا أو غطى رأسه يوما كاملا فعليه دم ، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة ) وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا لبس أكثر من نصف يوم فعليه دم ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله أولا . وقال الشافعي رحمه الله : يجب الدم بنفس اللبس ; لأن الارتفاق يتكامل بالاشتمال على بدنه ولنا أن معنى الترفق مقصود من اللبس فلا بد من اعتبار المدة ليحصل على الكمال ويجب الدم ، فقدر باليوم ; لأنه يلبس فيه ثم ينزع عادة ، وتتقاصر فيما دونه الجناية فتجب الصدقة غير أن أبا يوسف رحمه الله أقام الأكثر مقام الكل ( ولو ارتدى بالقميص أو اتشح به أو ائتزر بالسراويل فلا بأس به ) ; لأنه لم يلبسه لبس المخيط .

                                                                                                        ( وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين ) خلافا لزفر رحمه الله ; لأنه ما لبسه لبس القباء ، ولهذا يتكلف في حفظه . والتقدير في تغطية الرأس من حيث الوقت ما بيناه ، ولا خلاف أنه إذا غطى جميع رأسه يوما كاملا يجب عليه الدم ; لأنه ممنوع عنه . ولو غطى ، بعض رأسه فالمروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه اعتبر الربع اعتبارا بالحلق والعورة [ ص: 233 ] وهذا ; لأن ستر البعض استمتاع مقصود يعتاده بعض الناس .

                                                                                                        وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يعتبر أكثر الرأس اعتبارا للحقيقة ( وإذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته فصاعدا فعليه دم ، فإن كان أقل من الربع فعليه صدقة ) وقال مالك رحمه الله : لا يجب إلا بحلق الكل ، وقال الشافعي رحمه الله . يجب بحلق القليل اعتبارا بنبات الحرم . ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل ; لأنه معتاد فتتكامل به الجناية وتتقاصر فيما دونه بخلاف تطيب ربع العضو ; لأنه غير مقصود ، وكذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق وأرض العرب ( وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم ) ; لأنه عضو مقصود بالحلق ( وإن حلق الإبطين أو أحدهما فعليه دم ) ; لأن كل واحد منهما مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة فأشبه العانة .

                                                                                                        ذكر في الإبطين الحلق هاهنا وفي الأصل النتف ، وهو السنة ( وقال أبو يوسف ومحمد ) رحمهما الله( إذا حلق عضوا فعليه دم ، وإن كان أقل فطعام ) أراد به الصدر والساق وما أشبه ذلك ; لأنه مقصود بطريق التنور فتتكامل بحلق كله وتتقاصر عند حلق بعضه ( وإن أخذ من شاربه فعليه طعام حكومة عدل ) ومعناه أنه ينظر أن هذا المأخوذ كم يكون من ربع اللحية ، فيجب عليه الطعام بحسب ذلك حتى لو كان مثلا مثل ربع الربع تلزمه قيمة ربع الشاة . ولفظة الأخذ من الشارب تدل على أنه هو السنة فيه دون الحلق . والسنة أن يقص حتى يوازي الإطار .

                                                                                                        قال : ( وإن حلق موضع المحاجم ، فعليه دم عند أبي حنيفة ) رحمه الله ( وقالا : عليه صدقة ) ; لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة ، وهي ليست من المحظورات ، فكذا ما يكون وسيلة إليها إلا أن فيه إزالة شيء من التفث فتجب الصدقة ، ولأبي حنيفة رحمه الله أن حلقه مقصود ; لأنه لا يتوسل إلى المقصود إلا به وقد وجد إزالة التفث عن عضو كامل فيجب الدم ( وإن حلق رأس محرم بأمره أو بغير أمره ، فعلى الحالق الصدقة وعلى المحلوق دم ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يجب إن كان بغير أمره بأن كان نائما ; لأن من أضله أن [ ص: 234 ] الإكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل ، والنوم أبلغ منه وعندنا بسبب النوم والإكراه ينتفي المأثم دون الحكم وقد تقرر سببه ، وهو ما نال من الراحة والزينة فيلزمه الدم حتما بخلاف المضطر حيث يتخير ; لأن الآفة هناك سماوية وههنا من العباد ثم لا يرجع المحلوق رأسه على الحالق ; لأن الدم إنما لزمه بما نال من الراحة فصار كالمغرور في حق العقر ، وكذا إذا كان الحالق حلالا لا يختلف الجواب في حق المحلوق رأسه . وأما الحالق تلزمه الصدقة في مسألتنا في الوجهين . وقال الشافعي رحمه الله : لا شيء عليه ، وعلى هذا الخلاف إذا حلق المحرم رأس حلال . له أن معنى الارتفاق لا يتحقق بحلق شعر غيره وهو الموجب . ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام لاستحقاقه الأمان بمنزلة نبات الحرم ، فلا يفترق الحال بين شعره وشعر غيره إلا أن كمال الجناية في شعره

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية