الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وينظر الرجل من أمته التي تحل له ، وزوجته إلى فرجها ) وهذا إطلاق في النظر إلى سائر بدنها عن شهوة وغير شهوة ، والأصل فيه كقوله [ ص: 136 ] عليه الصلاة والسلام : " { غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك }" ولأن ما فوق ذلك من المس والغشيان مباح فالنظر أولى . إلا أن الأولى لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه لقوله عليه الصلاة والسلام : " { إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد العير }" . [ ص: 137 - 139 ] ولأن ذلك يورث النسيان لورود الأثر ، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث العشرون : قال عليه السلام : " { غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك }" ; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة أبو داود في " الحمام " ، والترمذي في " الاستئذان " ، [ ص: 136 ] والنسائي ، في " عشرة النساء " ، وابن ماجه في " النكاح " عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده { معاوية بن حيدة ، قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها ، وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ، قال : قلت : يا رسول الله أرأيت لو كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا ترينها ، فلا ترينها ، قال : قلت : يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا ، قال : الله أحق أن يستحيى من الناس }. قال الترمذي : حديث حسن ، ورواه الحاكم في " المستدرك في اللباس " وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

                                                                                                        أحاديث الباب : روى الطبراني في " معجمه " أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن ابن أنعم عن سعد بن مسعود الكندي ، قال : { أتى عثمان بن مظعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أستحيي أن يرى أهلي عورتي ، قال : ولم وقد جعلك الله لهم لباسا ، وجعلهم لك لباسا ؟ قال : أكره ذلك ، قال : فإنهن يرينه مني ، وأراه منهن ، قال : أنت يا رسول الله ؟ قال : أنا ، قال : فمن بعدك إذا يا رسول الله ؟ فلما أدبر عثمان قال عليه السلام : إن ابن مظعون لحيي ستير }انتهى . وسعد بن مسعود هذا مصري ، ذكره ابن أبي حاتم ، وقال : روى عنه عبد الرحمن الأفريقي ، قال الشيخ في " الإمام " : ويجب أن ينظر في هذا الحديث ، أمسند هو ، أم مرسل ؟ انتهى

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في النكاح " أخبرنا يحيى بن العلاء به .

                                                                                                        الحديث الحادي والعشرون : قال عليه السلام : " { إذا أتى أحدكم أهله ، فليستتر [ ص: 137 ] ما استطاع ، ولا يتجردان تجرد العير }" ; قلت : روي من حديث عتبة بن عبد السلمي ; ومن حديث عبد الله بن سرجس ; ومن حديث ابن مسعود ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث أبي أمامة . فحديث عتبة : أخرجه ابن ماجه في " النكاح " حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي عن الوليد بن القاسم الهمداني عن الأحوص بن حكيم عن أبيه ، وراشد بن سعد ، وعبد الأعلى بن عدي عن عتبة بن عبد السلمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ، ولا يتجرد تجرد العير }" انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ثنا بشر بن عمارة عن الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن غابر عن عتبة بن عبد .

                                                                                                        وأما حديث ابن سرجس : فأخرجه النسائي في " عشرة النساء " عن صدقة بن عبد الله السمين عن زهير بن محمد عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتى أحدكم أهله فليلق على عجزه وعجزها شيئا ، ولا يتجردان تجرد العيرين }انتهى

                                                                                                        قال : حديث منكر ، وصدقة يضعف ، انتهى

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " عن زهير بن محمد عن ابن جريج عن عاصم الأحول به ، ويراجع النسائي ، وأعله عبد الحق في " أحكامه " بصدقة ، وقال : إنه ليس بالقوي ، وأعله ابن القطان بعده بزهير ، وقال : إنه ضعيف ; قلت : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا زيد بن أخزم ثنا محمد بن عباد الهنائي ثنا عباد بن كثير عن عاصم الأحول به . وأما حديث ابن مسعود : فأخرجه ابن أبي شيبة ، والبزار في " مسنديهما " ، وابن عدي ، والعقيلي في " كتابيهما " ، والطبراني في " معجمه " عن مندل بن علي عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا ، بلفظ النسائي ، قال البزار : لا نعلم رواه عن الأعمش هكذا إلا مندل ، وأخطأ فيه ، وذكر شريك أنه كان عند الأعمش ، وعنده عاصم ، ومندل ، فحدث به عاصم عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أتى أحدكم أهله } ، الحديث مرسل انتهى

                                                                                                        قلت : هكذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ; ورواه عبد الرزاق في " مصنفه [ ص: 138 ] في النكاح " حدثنا الثوري عن عاصم به كذلك ، وأعله ابن عدي بمندل ، وأسند تضعيفه عن أبي معين ، والسعدي ، والنسائي ; وقال ابن أبي حاتم في " علله " : قال أبو زرعة : أخطأ فيه مندل انتهى

                                                                                                        ونقل العقيلي عن الأعمش أنه كذب فيه مندل بن علي ، وقال : أنا أخبرت به عن عاصم عن أبي قلابة انتهى

                                                                                                        قلت : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان ثنا إسرائيل عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعا ، باللفظ المذكور سواء . وأما حديث أبي هريرة : فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب حدثني عبيد الله بن زحر عن أبي المنيب عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتى أحدكم أهله ، فليستتر ، فإنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت ، وبقي الشيطان ، فإذا كان بينهما ولد ، كان للشيطان فيه نصيب }انتهى

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني ثنا سعيد بن أبي مريم به ، وقال : إسناده ليس بالقوي ، ولا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أبي أمامة : فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثنا أبو المغيرة ثنا عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتى أحدكم أهله ، فليستتر ، ولا يتجردان تجرد العيرين }انتهى

                                                                                                        { حديث آخر } : لم يذكر الترمذي في هذا الباب غيره ، فقال في " الاستئذان باب ما جاء في الاستتار عند الجماع " : حدثنا أحمد بن محمد بن نيزك البغدادي ثنا أسود بن عامر ثنا أبو محياة عن ليث عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والتعري ، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط ، وحين يفضي الرجل إلى أهله }انتهى . وقال : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأبو محياة اسمه يحيى بن يعلى انتهى

                                                                                                        [ ص: 139 ] وفي دخول هذا الحديث في هذا الباب نظر ، يظهر بالتأمل ، والله أعلم .

                                                                                                        قوله : ولأن ذلك يعني النظر إلى العورة يورث النسيان ، لورود الأثر : قلت : غريب ; وورد أنه يورث العمى في حديثين ضعيفين : أحدهما : أخرجه ابن عدي في " الكامل " ، وابن حبان في " كتاب الضعفاء " عن بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا جامع أحدكم زوجته ، فلا ينظر إلى فرجها ، فإن ذلك يورث العمى }انتهى .

                                                                                                        وجعلاه من منكرات بقية ، قال ابن عدي : ويشبه أن يكون بين بقية ، وابن جريج بعض الضعفاء ، أو المجهولين انتهى

                                                                                                        ومن طريق ابن عدي رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وقال : قال ابن حبان : كان بقية يروي عن كذابين وثقات ، ويدلس ، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ، ويسوونه ، فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ، ثم دلس عنه ، فالتزق به ، وهذا موضوع انتهى

                                                                                                        وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل " : سألت أبي عن حديث رواه بقية عن ابن جريج بسنده ومتنه ، فقال أبي : هذا حديث موضوع ، وبقية كان يدلس انتهى

                                                                                                        والحديث الآخر رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق أبي الفتح الأزدي ثنا زكريا بن يحيى المقدسي ثنا إبراهيم بن محمد الفريابي ثنا محمد بن عبد الرحمن القشيري عن جعفر بن كدام عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جامع أحدكم ، فلا ينظر إلى الفرج ، فإنه يورث العمى ، ولا يكثر الكلام ، فإنه يورث الخرس }انتهى

                                                                                                        ثم قال : قال الأزدي : إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ساقط انتهى

                                                                                                        قوله : وكان ابن عمر يقول : الأولى أن ينظر ، ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة ; [ ص: 140 ] قلت : غريب جدا .




                                                                                                        الخدمات العلمية