الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلال وإن اشتد ) وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال محمد ومالك والشافعي رحمهم الله: حرام ، وهذا الخلاف فيما إذا قصد به التقوي : أما إذا قصد به التلهي فلا يحل بالاتفاق .

                                                                                                        وعن محمد مثل قولهما وعنه أنه كره ذلك ، وعنه أنه توقف فيه ، لهم في إثبات الحرمة قوله عليه الصلاة والسلام : { كل مسكر خمر }" [ ص: 232 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : { ما أسكر كثيره فقليله حرام }" [ ص: 233 ] ويروى عنه عليه الصلاة والسلام { ما أسكر الجرة منه فالجرعة منه حرام }" ولأن المسكر يفسد العقل فيكون حراما قليله وكثيره كالخمر [ ص: 234 - 235 ] ولهما قوله عليه الصلاة والسلام : { حرمت الخمر لعينها }" ويروى " { بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب }" خص السكر بالتحريم في غير الخمر إذ العطف للمغايرة ، ولأن المفسد هو القدح المسكر ، وهو حرام عندنا ، وإنما يحرم القليل منه ; لأنه يدعو لرقته ولطافته إلى الكثير ، فأعطي حكمه والمثلث لغلظه لا يدعو وهو في نفسه غذاء فبقي على الإباحة .

                                                                                                        والحديث الأول غير ثابت على ما بيناه ، ثم هو محمول على القدح الأخير ، إذ هو المسكر حقيقة ، والذي يصب عليه الماء بعد ما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يرق ، ثم يطبخ طبخة حكمه حكم المثلث ; لأن صب الماء لا يزيده إلا ضعفا ; بخلاف ما إذا صب الماء على العصير ، ثم يطبخ حتى يذهب ثلثا الكل ; لأن الماء يذهب أولا للطافته أو يذهب منهما ، فلا يكون الذاهب ثلثي ماء العنب ، ولو طبخ العنب [ ص: 236 ] كما هو ثم يعصر يكتفى بأدنى طبخة في رواية عن أبي حنيفة رحمه الله .

                                                                                                        وفي رواية عنه : لا يحل ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ وهو الأصح ; لأن العصير قائم فيه من غير تغير ، فصار كما بعد العصر ، ولو جمع في الطبخ بين العنب والتمر أو بين التمر والزبيب لا يحل ، حتى يذهب ثلثاه ; لأن التمر إن كان يكتفى فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه ، فيعتبر جانب العنب احتياطا ; وكذا إذا جمع بين عصر العنب ونقيع التمر لما قلنا ، ولو طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة ، ثم أنقع فيه تمر أو زبيب ، إن كان ما أنقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله لا بأس به ، وإن كان يتخذ النبيذ من مثله لم يحل كما إذا صب في المطبوخ قدح من النقيع ، والمعنى تغليب جهة الحرمة ولا حد في شربه ; لأن التحريم للاحتياط وهو للحد في درئه ولو طبخ الخمر أو غيره بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه لم يحل ; لأن الحرمة قد تقررت فلا ترتفع بالطبخ .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع :

                                                                                                        { كل مسكر خمر } [ ص: 232 ]

                                                                                                        الحديث الثامن : قال عليه السلام : { ما أسكر كثيره فقليله حرام }" ; قلت : روي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ; ومن حديث جابر ; ومن حديث سعد بن أبي وقاص ; ومن حديث علي ; ومن حديث عائشة ; ومن حديث ابن عمر ; ومن حديث خوات بن جبير ; ومن حديث زيد بن ثابت . فحديث عمرو بن شعيب : أخرجه النسائي ، وابن ماجه عن عبيد الله بن عمرو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما أسكر كثيره ، فقليله حرام }انتهى ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا عبد الله بن عمر عن عمرو به . وأما حديث جابر :

                                                                                                        فأخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن داود بن بكر عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا ، نحوه سواء ، قال الترمذي : حديث حسن غريب من حديث جابر ، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع التاسع والتسعين ، من القسم الأول عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر به ، وداود بن بكر بن أبي الفرات الأشجعي ، قال ابن معين : ثقة ، وقال أبو حاتم : لا بأس به ، ليس بالمتين انتهى .

                                                                                                        وقد تابعه موسى بن عقبة ، كما أخرجه ابن حبان .

                                                                                                        وأما حديث سعد :

                                                                                                        فأخرجه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن الوليد بن كثير عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن قليل ما أسكر كثيره }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في أول القسم الثاني ، قال المنذري في " مختصره " : أجود أحاديث هذا الباب حديث سعد ، فإنه من رواية محمد بن عبد الله الموصلي ، وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير ، وقد احتج بهما الشيخان انتهى .

                                                                                                        قال النسائي : وفي هذا الحديث دليل على تحريم السكر قليله وكثيره ، وليس كما يقول المخادعون بتحريمهم [ ص: 233 ] آخر الشربة ، دون ما تقدمها ، إذ لا خلاف بين أهل العلم ، أن السكر بكليته لا يحدث عن الشربة الأخيرة فقط ، دون ما تقدمها .

                                                                                                        وأما حديث علي فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام }" انتهى .

                                                                                                        وعيسى بن عبد الله عن آبائه تركه الدارقطني .

                                                                                                        وأما حديث عائشة : فأخرجه أبو داود ، والترمذي عن أبي عثمان عمرو بن سالم الأنصاري عن القاسم بن محمد { عن عائشة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : كل مسكر حرام ، وما أسكر الفرق فملء الكف منه حرام } ، وفي لفظ للترمذي : فالحسوة منه ، انتهى قال الترمذي : حديث حسن ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والستين ، من القسم الثاني ، وأحمد في " مسنده " قال المنذري في " مختصره " .

                                                                                                        رجاله كلهم محتج بهم في " الصحيحين " إلا عمرو بن سالم ، وهو مشهور ، لم أجد لأحد فيه كلاما انتهى

                                                                                                        قلت : قال ابن القطان في " كتابه " : وأبو عثمان هذا لا يعرف حاله ، وتعقبه صاحب التنقيح " فقال : وثقه أبو داود ، وذكره ابن حبان في " الثقات " انتهى وأخرجه الدارقطني في " سننه " من طرق أخرى عديدة ، أضربنا عن ذكرها ; لأنها كلها ضعيفة .

                                                                                                        وأما حديث ابن عمر : فرواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا أبو عامر العقدي ثنا أبو معشر عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا : { ما أسكر كثيره فقليله حرام }انتهى ورواه الطبراني في " معجمه " حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا أبو مصعب ثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة به ، ورواه في " الوسط " من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ، ومن طريق ابن إسحاق عن نافع به . أما حديث خوات بن جبير : فأخرجه الحاكم في " : المستدرك في كتاب [ ص: 234 ] الفضائل " عن عبد الله بن إسحاق بن صالح بن خوات بن جبير حدثني أبي عن أبيه عن جده خوات بن جبير مرفوعا ، نحوه سواء ، وسكت عنه ; ورواه الطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " . والعقيلي في " ضعفائه " ، وأعله بعبد الله بن إسحاق هذا ، وقال : لا يتابع عليه بهذا الإسناد ، والحديث معروف بغير هذا الإسناد . وأما حديث زيد بن ثابت فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المروزي ثنا يحيى بن سليمان المدني ثنا إسماعيل بن قيس عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت مرفوعا ، نحوه سواء . قوله : ويروى : { ما أسكر الجرة منه ، فالجرعة حرام }; قلت : هذه رواية غريبة ، ولكن معناها في حديث عائشة ، { ما أسكر الفرق ، فملء الكف منه حرام } ، أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وقد تقدم ، وفي رواية للترمذي ، فالحسوة منه حرام . قوله : وهذا الحديث ليس بثابت ، ثم هو محمول على القدح الأخير ; قلت : أخرج الدارقطني في " سننه " عن عمار بن مطر ثنا جرير بن عبد الحميد عن الحجاج عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله في { قوله عليه السلام : كل مسكر حرام }" [ ص: 235 ] قال : هي الشربة التي أسكرتك ، ثم أخرجه عن عمار بن مطر ثنا شريك عن أبي حمزة عن إبراهيم ، قوله : { كل مسكر حرام } ، قال : هي الشربة التي أسكرتك ، قال : وهذا أصح من الأول ، ولم يسنده غير الحجاج ، واختلف عنه ، وعمار بن مطر ضعيف ، وحجاج ضعيف ، وإنما هو من قول إبراهيم النخعي ، ثم أسند عن ابن المبارك ، أنه ذكر له حديث ابن مسعود { ، كل مسكر حرام ، هي الشربة التي أسكرتك } ، فقال : حديث باطل انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " المعرفة " : هذا إنما يرويه حجاج بن أرطاة ، وهو لا يحتج به ، وقد ذكر لابن المبارك فقال : حديث باطل ، قال : وسببه ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، فأسند عن البخاري أنه قال : قال زكريا بن عدي : لما قدم ابن المبارك الكوفة ، فذكر قصة رواها ابن المبارك عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن فضيل بن عمرو عن إبراهيم ، قال : كانوا يقولون : إذا سكر من شراب لم يحل له أن يعود فيه أبدا ، قال البيهقي : فكيف يكون عند إبراهيم قول ابن مسعود هكذا ، ثم يخالفه ؟ فدل على بطلان ما رواه الحجاج بن أرطاة ، انتهى كلامه .

                                                                                                        الحديث التاسع : { قال عليه السلام : حرمت الخمر لعينها ويروى بعينها ، قليلها وكثيرها ، والسكر من كل شراب }" ; قلت : رواه العقيلي في " كتاب الضعفاء [ ص: 236 ] في ترجمة محمد بن الفرات " حدثنا عمرو بن أحمد بن عمرو بن السرح ثنا يوسف بن عدي ثنا محمد بن الفرات الكوفي عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي ، قال : { طاف النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة أسبوعا ، ثم استند إلى حائط من حيطان مكة ، فقال : هل من شربة ؟ فأتي بقعب من نبيذ ، فذاقه ، فقطب ، ورده ، فقام إليه رجل من آل حاطب ، فقال : يا رسول الله هذا شراب أهل مكة ، قال : فصب عليه الماء ، ثم شرب ، ثم قال : حرمت الخمر بعينها ، والسكر من كل شراب } ، انتهى

                                                                                                        وأعله بمحمد بن الفرات ، ونقل عن يحيى بن معين أنه قال فيه : ليس بشيء ، ونقل عن البخاري أنه قال : منكر الحديث ، وقال العقيلي : لا يتابع عليه انتهى

                                                                                                        وأخرجه العقيلي أيضا عن عبد الرحمن بن بشر الغطفاني عن أبي إسحاق عن الحارث { عن علي ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأشربة عام حجة الوداع ، فقال : حرم الله الخمر بعينها ، والسكر من كل شراب } ، انتهى

                                                                                                        قال : وعبد الرحمن هذا مجهول في الرواية والنسب ، وحديثه غير محفوظ ، وإنما يروى هذا عن ابن عباس من قوله انتهى

                                                                                                        وأخرجه النسائي في " سننه " موقوفا على ابن عباس من طرق ، فأخرجه عن ابن شبرمة عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ، أنه قال : حرمت الخمر قليلها وكثيرها ، والسكر من كل شراب انتهى .

                                                                                                        قال النسائي : وابن شبرمة لم يسمعه من ابن شداد ، ثم أخرجه عن هشيم عن ابن شبرمة ، حدثني الثقة عن ابن شداد عن ابن عباس قال : حرمت الخمر بعينها ، قليلها وكثيرها ، [ ص: 237 ] والسكر من كل شراب انتهى

                                                                                                        وقال : هشيم بن بشير كان يدلس ، وليس في حديثه ذكر السماع من ابن شبرمة ، ثم أخرجه عن أبي عون عن ابن شداد عن ابن عباس ، قال : حرمت الخمر بعينها ، قليلها وكثيرها ، والمسكر من كل شراب ، وفي لفظ : وما أسكر من كل شراب ، وقال : هذا أولى بالصواب من حديث ابن شبرمة انتهى

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " حدثنا محمد بن حرب ثنا أبو سفيان الحميري ثنا هشيم عن ابن شبرمة عن عمار الدهني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس موقوفا ، قال البزار : وقد رواه أبو عون عن عبد الله بن شداد ، ورواه عن أبي عون ، مسعر ، والثوري ، وشريك ، ولا نعلم رواه عن ابن شبرمة عن عمار الدهني عن ابن شداد عن ابن عباس إلا هشيم ، ولا عن هشيم إلا أبو سفيان ، ولم يكن هذا الحديث إلا عند محمد بن حرب وكان واسطيا ثقة حدثنا زيد بن أرقم أبو طالب الطائي ثنا أبو داود ثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد ، فذكره ، حدثنا أحمد بن منصور ثنا يزيد بن أبي حكيم ثنا سفيان عن أبي سلمة عن أبي عون عن ابن شداد عن ابن عباس ، قال : وشعبة يقول : والمسكر ، وقد رواه جماعة عن أبي عون ، فاقتصرنا على رواية مسعر ، ولا نعلم روى الثوري عن مسعر حديثا مسندا إلا هذا الحديث انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس موقوفا : حرمت الخمر بعينها ، القليل منها والكثير ، والسكر من كل شراب انتهى وأخرجه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس ، مرفوعا نحوه ; وأخرجه أبو نعيم في " الحلية في ترجمة مسعر " عن خلاد بن يحيى عن مسعر عن أبي عون به ، قال : وقد رواه عن مسعر سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، وسفيان ، وإبراهيم بن عيينة ، ورفعه سفيان بن عيينة عن مسعر فقال : عن النبي صلى الله عليه وسلم وتفرد شعبة عن مسعر ، فقال : { والسكر من كل شراب }انتهى

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " من طريق أحمد بن حنبل ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن ابن شداد عن ابن عباس موقوفا ، إنما حرمت الخمر بعينها ، والمسكر من كل شراب ، قال : وهذا هو الصواب عن ابن عباس ، لأنه قد روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم : كل مسكر حرام } ، وروى طاوس ، وعطاء ، ومجاهد عن ابن عباس قال : قليل ما أسكر كثيره حرام انتهى . [ ص: 238 ] أحاديث الباب : واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " لأصحابنا بأحاديث : منها ما أخرجه النسائي عن يحيى بن اليمان العجلي عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود الأنصاري { أن النبي صلى الله عليه وسلم عطش وهو يطوف بالبيت ، فأتي بنبيذ من السقاية ، فقطب . فقال له رجل : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، علي بذنوب من ماء زمزم ، فصبه عليه ، ثم شرب ، وهو يطوف بالبيت }انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : حديث ضعيف ; لأن يحيى بن يمان انفرد به ، دون أصحاب سفيان ، وهو سيئ الحفظ ، كثير الخطإ ، رواه الأشجعي ، وغيره عن سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة السهمي ، قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بنبيذ } ، نحو هذا مرسل ، ورواه يحيى بن سعيد عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن خالد بن سعد عن أبي مسعود ، فعله ، وقال ابن عدي : قال البخاري : حديث يحيى بن يمان هذا لا يصح ، وقال أبو حاتم ، وأبو زرعة : أخطأ ابن يمان في إسناد هذا الحديث ، وإنما ذاكرهم سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة مرسلا ، فأدخل ابن يمان حديثا في حديث ، والكلبي لا يحل الاحتجاج به . وبحديث آخر :

                                                                                                        أخرجه النسائي أيضا عن عبد الملك بن نافع ، قال : قال ابن عمر : { رأيت رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إليه قدحا فيه نبيذ فوجده شديدا ، فرده عليه ، فقال رجل من القوم : يا رسول الله أحرام هو ؟ فعاد ، فأخذ منه القدح ، ثم دعا بماء ، فصبه عليه ، ثم رفعه إلى فيه ، فقطب ، ثم دعا بماء آخر ، فصبه عليه ، ثم قال : إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية ، فاكسروا متونها بالماء }قال النسائي : وعبد الملك بن نافع غير مشهور ، ولا يحتج بحديثه ، والمشهور عن ابن عمر ، خلاف هذا ، ثم أخرج عن ابن عمر حديث تحريم المسكر من غير وجه ، قال : وهؤلاء أهل البيت ، والعدالة المشهورون بصحة النقل ، وعبد الملك لا يقوم مقام واحد منهم ، وقال البخاري : لا يتابع [ ص: 239 ] عليه ، وقال أبو حاتم : هذا حديث منكر ، وعبد الملك بن نافع شيخ مجهول ، وقال البيهقي : هذا حديث يعرف بعبد الملك بن نافع ، وهو رجل مجهول ، اختلفوا في اسمه ، واسم أبيه ، فقيل : هكذا ، وقيل : عبد الملك بن القعقاع ، وقيل : مالك بن القعقاع انتهى .

                                                                                                        وبحديث آخر :

                                                                                                        أخرجه النسائي عن أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشربوا في الظروف ، ولا تسكروا } ، قال النسائي : حديث منكر ، غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم ، ولا نعلم أحدا تابعه عليه من أصحاب سماك ، وسماك كان يقبل التلقين ، قال أحمد بن حنبل : كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث ، خالفه شريك في إسناده ، ولفظه ، ثم أخرجه عن شريك عن سماك بن حرب عن ابن بريدة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والحنتم . والنقير ، والمزفت } ، وقال أبو زرعة : وهم أبو الأحوص فقال : عن سماك عن القاسم عن أبيه عن أبي بردة ; فقلب من الإسناد موضعا ، وصحف موضعا ، أما القلب ، فقوله : عن أبي بردة ، أراد عن ابن بريدة ، ثم احتاج أن يقول : ابن بريدة عن أبيه ، فقلب الإسناد بأسره ، وأفحش من ذلك تصحيفه لمتنه : { اشربوا في الظروف ولا تسكروا } ، وقد روى هذا الحديث عن ابن بريدة عن أبيه أبو سنان ضرار بن مرة ، وزبيد اليامي عن محارب بن دثار ، وسماك بن حرب . والمغيرة بن سبيع ، وعلقمة بن مرثد ، والزبير بن عدي ، وعطاء الخراساني ، وسلمة بن كهيل ، كلهم عن ابن بريدة عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي ، فوق ثلاث ، فأمسكوا ما بدا لكم ، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء ، فاشربوا في الأسقية ، ولا تشربوا مسكرا } ، وفي حديث بعضهم : { واجتنبوا كل مسكر } ، لم يقل أحد منهم : ولا تسكروا ، فقد بان وهم أبي الأحوص ، من اتفاق هؤلاء على خلافه ، وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : حديث أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة خطأ الإسناد ، والكلام ، أما الإسناد ، فإن شريكا ، وأيوب ، ومحمدا ابني جابر رووه عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الناس : انتبذوا في كل وعاء ، ولا تشربوا مسكرا }.

                                                                                                        قال [ ص: 240 ] أبو زرعة : وكذلك أقول ، هذا خطأ ، والصحيح حديث ابن بريدة ، عن أبيه انتهى .

                                                                                                        وبحديث آخر : أخرجه الدارقطني عن القاسم بن بهرام ثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس ، قال : { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم بالمدينة ، فقالوا : يا رسول الله إن عندنا شرابا لنا ، أفلا نسقيك منه ؟ قال : بلى ، فأتي بقعب ، أو قدح فيه نبيذ ، فلما أخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقربه إلى فيه ، قطب ، ثم دعا الذي جاء به ، فقال : خذه فأهرقه ، فقال : يا رسول الله هذا شرابنا ، إن كان حراما لم نشربه ، فأخذه ، ثم دعا بماء فشنه عليه ، ثم شرب ، وسقى ، وقال : إذا كان هكذا ، فاصنعوا به هكذا }انتهى قال ابن الجوزي : تفرد به القاسم بن بهرام ، قال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به بحال انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية